الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ إِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } هذا شروع فى ذكر ضد المتقين الذين تأثروا بهداية القرآن والكفرة لا يتأثرون بها، ولم تعطف قصتهم على قصة المتقين، لأن قصة المتقين إنما سقاها الله - جل وعلا - لذكر الكتاب وبيان شأنه، لأنه حق وهدى لهم وتفخيم شأنه فى الانتفاع به. وقصة الكفرة ساقها الله - عز وجل - لشرح تمردهم وانهماكهم فى الضلال. وأما وصفهم بأن وجود الكتاب وعدمه سواء عليهم، فليس كون الكتاب كذلك غرضاً مسوقاً له الكلام، بل تفخيم شأنه، وفائدة أن تأكيد نسبة الخبر إلى المبتدأ سواء كانت إيجابية أو سلبية، سواء كانت فى جواب منكر، أو ظان أو شاك أو خالى الذهن أو موقن، بحسب غرض المتكلم فى إخباره من مبالغة أو عدمها. هذا ما ظهر لى لاما اشتهر فى كتب المعانى من أن الإتيان بها فى أخبارك من أن أيقن لا يجوز أو يخل بالبلاغة، والتعريف الحاصل فى الموصول للعهد الذكرى والحضورى أو الذهنى، والمراد ناس بأعيانهم كأبى لهب وأبى جهل والوليد بن المغيرة وأحبار اليهود، فإنه قد وقع لهم ذكر فيما نزل من الآيات قبل هذه، وصح لهم حضور محسوس للجدال وغيره، وثبوت فى ذهنه - صلى الله عليه وسلم - مهما بطريق إرشادهم وقلقاً بما قالوا. وعن ابن عباس نزلت فى حيى بن أخطب وكعب ابن الأشرف ونظائرهما من اليهود. وقيل فى مشركى العرب كأبى جهل. وإما للجنس متناولا من أصر على الكفر كما قال سواء إلى... إلخ. ومن لم يصر وهو من استثناه بقوله إلا الذين تابوا ونحوه، من آيات استثناء والتائبين ولا تتناول من سيأتى بعده - صلى الله عليه وسلم - ومن تقدمه. وقيل تتناول من يأتى، لأن إنذار القرآن بعده إنذار منه. وقيل تتناول من سبق أيضاً، على معنى أنك لو أنذرتهم لم يتأثروا به. والكفر لغة ستر النعمة. وأصله الكفرة بفتح وهو الستر. ومنه قيل للزارع كافر، لأنه يستر البذر، وكذا الليل لأنه ساتر بظلمته، وكذا البحر لأنه يستر ما فيه وما وقع فيه، وللطلع لأنه يستر الثمار. فهو فى أصل اللغة مطلق الستر. ثم اختص فى عرف أُهلها بستر النعمة وهو عدم شكرها. وأما فى الشرع فله معنى عام وهو ستر النعمة، الذى هو عدم شكرها، فإن فعل كبيرة كالنفاق أو الشرك خرج عن شكر النعمة. فإن شكرها هو عدم فعل ذلك والتحرز عنه، ومعنيان خاصان أحدهما يسمى نفاقاً عندنا، وهو فعل الكبيرة التى دون الشرك، والآخر كفر شرك سواء أظهر أو لم يظهر. وهما فعل كبيرة الشرك، وهما المراد فى الآية. ويخص أصحابنا ما لم يظهر منه باسم آخر هو لفظ النفاق أيضاً، وحد كفر الشرك بنوعيه بأنه إنكار ما علم بالضرورة مجىء الرسل به وخرج بلفظ الإنكار الفعل فإنه ليس شركاً فليس كهيئة المشرك، وإنما حرم لأنه يوهم أنه مشرك فيحكم من لم يعلمه مسلماً أنه مشرك، ويظن من علمه بالتوحيد لأنه مرتد، ولا من التحرز عن هيئتهم من تمام بغضهم، فلو لبس الإنسان الزنار لدل على أنه نصرانى، أو مرتد إلى النصرانية ومن صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجترىء على لبسهم ظاهراً والزنار بضم الزاء خيط غليظ فيه ألوان يشد فى الوسط فوق الثياب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10