الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وَإِذْ قُلْنَا } لهم بعد خروجهم من التيه، وقد قيل مات الكبار فيه وخرجت أولادهم. { ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } قرية أريحاء بالحاء المهملة وهى قرية الجبارين قاله ابن عباس، وقيل بالخاء المعجمة وعلى كل حال هى قرية بالغور قريبة من بيت المقدس، وهى بفتح الهمزة، وكسر الراء روى أن فيها قوماً من بقية عاد يقال لهم العماليق، ورأسهم عوج ابن عناق أمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها على لسان يوشع بن نون فيما قيل، لأنه هو الذى فتح أريحاء بعد موسى، لأن موسى وهارون ماتا فى التيه، وقال قوم لم يموتا فيه، وقال قوم هما حيان حتى خرجا منه وماتا فى غيره، وقد اختلفوا فى موسى وهارون، هل وقع التيه بهما؟ فمن قال إنهم وقعوا فيه بدعاء اللعين بلعام، قال وقع بهما، ومن قال وقعوا فيه بدعاء موسى قال لم يقع بهما، وحكى الزجاج عن بعضهم إنهما لم يكونا فى التيه لأنهُ عذاب والأكثر أنهما فيه. وظاهر قوله تعالىفافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } يقوى أنهما لم يكونا فيه، وكذا قال الفخر، وكانت تلك القرية قاعدة، ومسكن ملوك، وقال الجمهور هى بيت المقدس، فمن قال مات موسى فى التيه قال أمرهم الله بدخولها على لسان موسى بأن قال لهم إذا تم أربعون سنة وخرجتم من التيه، فادخلوا بيت المقدس، وإنما سميت المدينة قرية لأنها تجمع الناس، من قريت الماء فى الحوض إذا جمعتهُ. { فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } أكلا واسعاً لم يمنع عنكم منه شئ، فرغدا مفعول مطلق، ويجوز كونه حالا من الواو، وتقدم الكلام على رغداً. { وَادْخُلُوا الْبَابَ } باب القرية وعن مجاهد هو باب فى مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة، وقيل باب من أبواب بيت المقدس، وقيل هو باب القبة التى كانوا يصلون إليها، لأنهم لم يدخلوا بيت المقدس فى حياة موسى عليه السلام، وهذا الدخول كان فى حياته على هذا القول، وقيل لم يؤمروا بباب مخصوص ولكن للقرية سبعة أبواب أمروا أن يدخلوا من أى باب أرادوا. { سُجَّداً } منحنين منكسى الرءوس كالراكع أو دونهُ أو فوقهُ أو ساجدين بقلوبهم أى خاضعين، وعلى الوجهين السجود شكراً لخروجهم من التيهِ، وهو حال مقارنة ويجوز أن يكون السجود سجوداً على الوجه بأن يسجدوا قرب الباب، ثم يدخلوه فتكون الحال محكية لا مقارنة، وربما تطلق المقارنة على التى اتصل وقوعها بوقوع العامل أو انتفائه قبلهُ أو بعده كما يطلق على التى اتحد زمانها وزمان العامل، وعن ابن عباس سجداً راكعين { وَقُولُوا حِطَّةٌ } خبر لمحذوف أى قولوا مسألتنا حطة لذنوبنا، أى حط لها ومحو وهو نوع عظيم أكيد من الحط، لأنهُ يدل على الهينة كالجلسة بكسر الجيم أو أمرك حطة لها أى شأنك حط الخطايا فاحططها عنا، أو أمرك الذى رغبنا فيهِ حطها، واللفظ إخبار والمراد الطلب أو أمرنا حطة فى هذه القرية، أى إقامة فيها، وأصل ذلك النصب أى احطط عنا خطايانا حطا، وعدل إلى الرفع ترغيباً فى طلب الثبات والدوام، وقرأ ابن أبى عبلة بالنصب على هذا الأصل فهو مفعول مطلق لمحذوف، والمحذوف مفعول للقول، أى قولوا احطط عنا خطايانا حطة، أو مفعول للقول، أى قولوا هذه الكلمة وهى لفظ حطة بالنصب، أمرهم أن يقولوه منصوباً مريدين معنى احطط حطاً، أو مرفوعاً على الأوجه السابقة، وعلى هذا نصب لأنهُ مفعول القول فى الآية مثل أن يقال قام عمرو فتقول قل زيداً بالنصب، أى اذكر لفظ زيد بدل لفظ عمرو، وقل قام زيد بالرفع، ويجوز ألا يراد بالحطة بالنصب اللفظ، بل ما يحط الخطايا.

السابقالتالي
2