الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } الذين عبدوا العجل. { يَا قَوْمِ إِنَّكُم ظَلَمْتُم أَنْفُسَكُم باتِّخَاذِكُم العِجْلَ } إلهاً. { فَتُوبُوا إِلى بَارِئِكُم } الفاء للسببية فإنهم أمروا بالتوبة بسبب ظلمهم أنفسهم، وجاز كونها عاطفة أنكم ظلمتم أنفسكم، ولو كان أحدهما أمراً والآخر إخباراً فى الأصل، لأن ذلك محكى لأن الجملة تصير بالحكاية مفرداً، والمعنى. ارجعوا رجوعاً صحيحاً وثيقاً بقلوبكم وجوارحكم عن عبادته إلى الله الذى برأكم، أى خلقكم براء من التفاوت، وميز بعضكم من بعض بصور وهيئات وأصوات مختلفات، وأصل مادة برئ الخروج من الشئ كبرئ المريض أى خرج من مرضه، وبرئ المديون أى خرج من دينه، والتخريج كبرأ الله آدم من الطين، أى أنشأه منه، وإنما لم يقل إلى خالقكم أو إلى منشئكم لما يصرح به لفظ بارئكم من التبرئة من التفاوت، وتمييز بعض من بعض الدالين على غاية اللطف والصنعة والحكمة، كأنه قيل تتركون عبادة الصانع الحكيم الذى خلقكم عقلاء مميزون، وتعبدون البقرة التى هى مَثَلٌ فى الغباوة، تقول العرب فلان أبلد من الثور، وقرئ باريكم بالياء ساكنة مشبعة بها الراء، وهى قراءة حكيت عن السبع، وقرأ أبو عمرو بالهمزة مختلساً بحركتها، كأنه يميل إلى الياء، رواه البغداديون عنه وهو اختيار سيبويه، وروى عنه البرقيون إسكان الهمزة وهو قراءة أبى عمرو الدانى على الفارسى عن أبى طاهر، وقرأ نافع وباقى السبعة بهمزة مكسورة كسراً صحيحاً خالصاً، وكذا فى بارئكم فى الآية بعد ويأمركم ويأمرهم وينصركم ويشعركم فى تمكين حركة الراء فى الأربعة واختلاسها وإسكانها، واعلم أن من لم يعرف حق المنعم حقيقاً بأن تسترد منه نعمته، فلما لم يعرفوا نعمة الله تعالى فى خلقهم عقلاء براءَ من التفاوت متميزين، استرد الله منهم نعمته التى هى خلقه إياهم وتركيبه إياهم بإيجاب القتل الذى هو هدم البنية المركبة، إذ عبدوا ما لا يقدر على تركيب ولا حل، وبلغوا غاية الجهالة والغباوة بذلك، كما قال الله جل وعلا { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُم } هذه الفاء للتعقيب المجرد عن التسبب والعطف على توبوا. والقتل تمام التوبة أو على محذوف، أى اعزموا على التوبة فاقتلوا، وأجيز كونها للتعبير، والمعنى اقتلوا بعضكم بعضاً من عبد العجل، ومن لم يعبده ولم يعتزل عمن عبده، وقيل ليقتل من لم يعبده واعتزل من عبده، ومن لم يعبده ولم يعتزل. وقيل لم يؤمر إلا بقتل من عبده، وإنما استحق من لم يعبده القتل على القولين الأولين، لأنهم لم يغيروا المنكر، وقيل أمر كل واحد أن يقتل نفسه قتلاً خالصاً بنحو خنجر لا قتلا بالهم، لأن الهم ضرورى لا حسى، فليس كما قيل إنهم أمروا أن يقتلوا أنفسهم بالهم، وقيل المراد بالقتل قطع الشهوات كما تقول العامة مت تحى، وكما قيل من لم يعذب نفسه لم ينعمها، ومن لم يقتلها لم يحيها، والمشهور أنه القتل الحقيقى.

السابقالتالي
2 3