الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

{ وَإِذْ فَرَقْنَا } وقرئ بتشديد الراء للمبالغة والتكثير، فإنهُ كان التفريق تفريقاً بيناً مستقيماً كان الماء به كالحيطان، وكان لكثير وهو اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق. { بِكُمُ } هاربين من عدوكم، والباء هى باء الآلة بمعنى أنه فرق البحر بسلوكهم، ما زالوا يمشون وما زال ينفلق قدامهم حتى نفذوه كما يفرق الشىء بالموسى أو بالعصا، إلا أن الموسى يباشر ما يراد تفريقه، وكذا العصا، وقد لا تباشران مثل أن يقصد شجاع جماعة بموسى فيفترقون إلى الجانبين، فعصا موسى آلة معهم لا آلة مستقلة، وباء السببية أى بسبب إرادة إنجائكم أو للمعية متعلقة بفرقنا، أو بمحذوف حال من البحر كأنه قال وإذ فرقنا البحر حال كونه ملتبساً بكم، كقول المتنبى
كأن خيولنا كانت قديما تسقى فى قحوفهم الحليبا فمرت غير نافرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا   
القحف عظم الدماغ أى كأنها ألفتهم بأن كانت تسقى الحليب فى عظام دماغهم فمرت على رءوسهم وصدورهم غير نافزة. { البَحْرَ } بحر القلزم فرقة عرضاً وقيل مقدار من الطول، فيكون كل طريق على هذا إلى جهة البحر أطول مما يليه إلى جهة البر، والمشهور الأول. واختار بعضهم الثانى، وقال إن ذلك الفرق يقرب موضع النجاة، ولا يلحق فى البر فى أيام كثيرة بسبب جبال وأوعار حائلة. { فَأنجَيْنَاكُمْ } من فرعون وآله وقد تبعوكم، أو من الغرق. { وأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ } حذف العاطف والمعطوف أى آل فرعون وفرعون، أو آل فرعون وإياه، وأجيز تقديم المعطوف عليه والعاطف، أى وأغرقنا فرعون وآل فرعون، وأجيز الوجهان فى قولهم راكب الناقة طليحان، أى راكب الناقة والناقة متعبان، أو راكب الناقة وهى متعبان، أو الناقة وراكب الناقة متعبان، وإنما اقتصر فى الذكر على آل فرعون، لأن فرعون أولى بالإغراق، وقيل آل فرعون بمعنى شخص فرعون كما ورد فى الحديث " أوتى مزماراً من مزامير آل داود " فإن المراد داود نفسه، وكان الحسن يقول اللهم صلى على آل محمد، أى على شخص محمد فاستغنى فى ذلك بذكر المتبوع عن ذكر أتباعه، أى شخص فرعون وقومه أو قوم فرعون وشخص فرعون. { وَأَنْتُم تَنْظُرُونَ } ما ذكر من إنجائكم وإغراق آل فرعون لا تشكون، والجملة حال أو تنظرون إطباق البحر عليهم، أو فرق البحر طرقا يابسة مذللة أو طرق البحر أو أجسام آل فرعون ولباسهم التى طفت على الماء وقذفها البحر إلى الساحل، أو ينظر بعضكم بعضاً، أو تنظرون إلى هلاكهم أو مصرعهم أو إلى الطرق أو أجسامهم ولباسهم، وقيل تنظرون ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا فى شغل، أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى أن يسرى ببنى إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلى والمتاع من المصريين وأحل الله ذلك لبنى إسرائيل.

السابقالتالي
2 3 4