الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ } هذه الجملة مستأنفة استئنافاً نحويا بيانيا هو نحوى بلا عكس فإن البيانى تكوين الجملة جواب لسؤال يقتضيه المقام كأنه قيل ما السبب فى اختصاص المتقين الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، والذين يؤمنون بما أنزل إلى سيدنا محمد ومن قبله - صلى الله عليه وسلم - ويوقنون بالآخرة، يكون القرآن هدى لهم؟ فأجاب بأن السبب فى اختصاصهم يكون القرآن هدى لهم التوفيق من الله واللطف عليهم بالهدى، ولا يقال هذا نفس قوله هدى للمتقين فيلزم تحصيل الحاصل لأنا نقول معنى قوله هدى للمتقين زيادة هدى لهم، أو صالح لأن يهتدوا به. ثم قال أولئك الموصوفون بتلك الصفات غير بعيد أن يختصموا بكون القرآن زيادة هدى لهم، أو بكونه هدى موصلا لهم إلى تلك الصفات. وإن شئت فقل إن جملة أولئك على هدى من ربهم، ليست بياناً للعلة، بل إخبار بأن الهدى الحاصل لهم من القرآن إنما جاءهم من فضل الله. وهذا على أن معنى هدى للمتقين أنه هداهم بالفعل، واهتدوا بالصلاحية والإمكان فقط. نقول أحسن زيد إلى شيخه، شيخه حقيق بالإحسان سواء أردت بيان العلة كأنك قلت لأن شيخه حقيق بالإحسان من أجل أنه شيخه، أو أردت مجرد الإخبار بأنه حقيق به ولكن تعليق الحكم بمشتق يؤذن تعليته. والشيخ فى معنى المشتق، والآية من هذا القبيل، فإن أولئك غير مشتق، لكنه إشارة إلى المتصفين بتلك الصفات. فهو فى معنى المشتق فكأنه قيل اتصافهم بالاتقاء والإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وما بعد ذلك سبب لزيادة الهدى الحاصلة لهم من توفيق الله وتفضله عليهم، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة لمجرد الإخبار بأنهم أحقاء بالهدى، بأن تكون الإشارة إلى أنفسهم لا تفيد اعتبار صفة، فضلا عن أن تكون موذنة بالعلية، كقولك أكرم زيداً زيد أهل للإكرام، فإن قولك زيد أهل للإكرام غير متضمن لما هو علة لإكرامه، ولو جعلت العلة تعليلا. وإذا ذكرت الجملة الثانية بصفة ما بنى له الكلام الأول، كانت كمصرحة بالعلة نحو أكرم زيداً صديقك القديم أهل للإكرام، كأنه قيل أكرم زيدا لأنه صديقك الكريم، والصديق الكريم أولى بالإكرام وأهل له. وهذا النوع أحسن وأبلغ لانطوائه على بيان الموجب وهو العلة، وكيفية حمل الآية عليه أن تجعل الإشارة إلى المتصفين بتلك الصفات من حيث إنهم متصفون بها. كأنه قيل المؤمنون بالغيب.. إلخ، أهل لزيادة الهدى الكائن لهم من ربهم، أو أهل لأن يهتدوا بالقرآن ويتأثروا به، أى من علم الله أنهم سيتقون ويؤمنون بالغيب.. إلخ أهل لأن يهتدوا به ويتأثروا به. ويجوز أن يكون الذين الأول مبتدأ والثانى معطوفاً عليه.

السابقالتالي
2 3