الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ }

{ يَا بَنِى إسرَائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتىَ الَّتِى أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أعاده تأكيداً فى شكر النعمة ووجوب شكرها، وليذكر وامعه إيجاب ذكر التفضيل الذى هو من عظم النعم، وليعقبه بذكر الوعيد الشديد الذى لا تدفع منه نفس عن نفس شيئاً على ترك الشكر الذى من جملته الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به وليس كما قيل إنما تقدم للمؤمنين والكافرين منهم، وهذا للكافرين منهم خصوصاً وليس قولهولا يقبل منها شفاعة.. } إلخ دليلا عليه كما قيل لأن ذلك وعظ يوعظ به المؤمن والكافر، نقول اتق يوماً لا شفاعة فيه للموحد الشقى، ولا نصر ولا للمشرك. ولأن التحقيق أنهُ لا شفاعة لأهل الكبائر المصرين. فالخطابان يعمان المؤمن والكافر، والأول أقرب للكافر لقولهولا تكونوا أول كافر به } { وَأنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلى العَالَمِينَ } بفتح همزة أن، عطف على المفول به وهو نعمتى، قال ابن هشام أو معطوفة على شىء من ذلك نحو { واذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين } أى فضلت آباءكم على العالمين من أهل زمانهم لا على كل أحد لأن هذه الأمة أفضل الأمم. ونبيها أفضل الأنبياء. قال الله سبحانه وتعالىكنتم خير أمة أخرجت للناس } وقد طلب موسى أن يكون من هذه الأمة، وفى التوراة والإنجيل التصريح بتفضيل هذه الأمة ونبيها، فبان أن هذه الأمة ونبيها مستثنيان من الآية، وإنما المراد كما قال قتادة تفضيل المؤمن بموسى فى عصره وبعده قبل أن يغير، وإنما أعطاهم الله ـ عز وجل ـ من العلم والإيمان والعمل، وجعل فيهم أنبياء وملوكاً مقسطين. ويجوز أن يكون المعنى جعلت فى بنى إسرائيل شيئاً شريفاً فاضلا فى ذاته، ولم أجعله فى غيرهم من أول الدنيا إلى آخرها وهو كثرة الأنبياء. وليس فى هذا تفضيل بنى إسرائيل على هذه الأمة، بل تفضيل هذه الأمة إذ كان فيها نبى واحد هو أفضل الأنبياء كلهم، يدخل منهم الجنة ما لا يدخل من بنى إسرائيل وبنى آدم كلهم، مع قصر أعمارهم، ولا يكثر توالدهم، فلو جعل الله فى أيدى إنسان مالا كثيراً فلم ينتفع به لدينه، أو انتفع قليلا، وجعل فى يد آخر مالا قليلا فانتفع به لدينه انتفاعاً كثيراً، لم نقض بتفضيل الذى فى يده مال كثير على الذى بيده قليل، بل العكس ولو كان المال الكثير فى حد ذاته خيراً من القليل، فأل فى العالمين على الوجه الأول للحقيقة، وعلى الثانى للاستغراق، ولما كان فى تفضيل آبائهم شرف لهم كما مر، قال { فضلتكم } فإن قلنا فضلتكم بتفضيل آبائكم فواضح، وإن قلنا بتقدير مضاف، أى فضلت آباءكم فوجهه بقاء الكلام بعد حذفه فى صورة تفضيلهم أنفسهم، واستدل بالآية على تفضيل البشر على الملك، ويرده أن المراد تفضيل بنى إسرائيل على العالمين من بنى آدم، لأن ما به التفضيل من خصوصيات بنى أدم كالنبوة، وأن التفضيل ولو عم الملائكة والإنس لكنهُ مطلق فيصدق ولو بصورة واحدة، والتفضيل بمخصوص لا يقتضى التفضيل بالذات ولا من كل وجه، كما قد توجد عبادة من ضعيف مخصوصة لم توجد فيمن هو أعبد منهُ، وتوجد جوهرة عظيمة المقدار عند فقير لم يوجد مثلها لأصحاب الأموال.

السابقالتالي
2