الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

{ وَاسْتَعِينُوا } اطلبوا المعونة على ذكر النعمة يا بنى إسرائيل، والوفاء بالعهد والإيمان بالقرآن، وترك الكفر وترك شراء الثمن القليل بالآيات، وعلى الرهبة والتقوى، وترك لبس الحق بالباطل، وعدم كتم الحق وعدم نسيان أنفسهم. { بالصَّبْر } تعاطى حبس النفس على ما تكره من مطلق العبادة، والعزم على حبسها وتعاطى حبسها عن الأشياء التى تستلذها ولو مباحة. { وَالصَّلاةِ } الصلوات الخمس، وصلاة النفل فإن الصلاة ولو نفلا تنهى عن الفحشاء والمنكر من حب الجاه والرياسة، وكتمان الحق وسائر المعاصى، لأن من أركانها الخشوع وقراءة القرآن المذكِّر بالآخرة، المزهد فى الدنيا الداعى إلى الإعراض عن المال وترك الشره، ولأنها تنفى الكبر لما أمروا بما يشتق عليهم من الكلفة، وقد رسخوا فى غيره أمروا بالاستعانة بهما عليه، وإنما خرجت الخطاب لبنى إسرائيل لأن الكلام عليهم قبل وبعد، وهم لم ينكروا أصل الصلاة، ولكن صلاتهم خالفت صلاة المؤمنين، فأمروا بأن يصلوا صلاة المؤمنين، وأن يستعينوا بها وأمروا بالإسلام أولا، فلا يقال كيف يقال لهم استعينوا بالصبر والصلاة فى أمر محمد وهم ينكرونه؟ وقيل الخطاب للمؤمنين أى استعينوا على أموركم الدينية والدنيوية من دفع مكروه وجلب محبوب، بحبس النفس على ما تكره من العبادة، وقهرها بالإذلال والتواضع وعما تشتهى ولو مباحاً، وذلك الصبر. وبالصلاة وإنما أفرد بالذكر مع دخولها فى الصبر على العبادة لعظم شأنها وشدة تأثيرها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر بادر بالصلاة، وروى فزع إلى الصلاة، رواه أحمد وغيره، وحزبه بالحاء المهملة والزاى المعجمة والباء الموحدة، أهمه ونزل به، وروى أن ابن عباس لما نعى إليهِ أخوه قثم وهو فى سفره قال إنا لله وإنا إليه راجعون، وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام إلى راحلته وهو يقول استعينوا بالصبر والصلاة، وأيضاً أفردها بالذكر لأنها جامعة لأنواع العبادات النفسية والبدنية والمالية، أما النفسية فالتفكر فيما يتكلم به فيها من القرآن وغيره، والنية ومجاهدة الشيطان ومناجاة الله. وأما البدنية فاستعمال لسانه فى التكلم بذلك خصوصاً فى كلمتى الشهادة، وجوارحه فى الرفع والخفض والمكث فى القيام والجلوس والركوع والسجدتين وما بينهما، والاستقبال فى كل ذلك، والكف عن شهوة الفرج والبطن، والتطهير وستر ما يجب ستره فى الصلاة، وأما المالية فالماء واللباس. وقال مجاهد الصبر هنا الصوم، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر، لأن الصوم حبس النفس عما يفسده، وخصه لأنه يكسر الشهوة ويصفى النفس ويزهد فى الدنيا، وهو مناسب للصلاة فى التصفية والكف عن أشياء تحل فى غيرهما، وقيل استعينوا بالصبر على طاعة طلب ورضوان الله، وبالصلاة على حط الذنوب ومصائب الدهر. وقال مقاتل استعينوا بالصبر والصلاة على طلب الآخرة، وقيل على حوائجكم إلى الله تعالى، وقيل على البلاء.

السابقالتالي
2