{ وَأَقِيموا الصَّلاَةَ } أل للجنس أو للعهد، وعلى كل حال المراد الصلوات الخمس. { وَآتُوا الزَّكَاةَ } النَّبى أى صيروها آتية إياه حاضرة بين يديه، يفرقها فى أهلها ويجعلها فيما يقوى الإسلام، زكاة العين والأنعام والحبوب، فذلك صلاة المؤمنين وزكاتهم، وأما صلاة هؤلاء الأواخر وزكاتهم، فلا تفيدانهم شيئاً، بل تزيدانهم عذاباً، أمرهم الله ـ جل وعلا ـ بفروع الإسلام بعد أمره إياهم بأصوله، فهذا نص فى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما يخاطبون بأصولها، فهم معاقبون على ترك الفروع كما يعاقبون على ترك الأصول، ومثل ذلك قوله تعالى{ ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين.. } إلى آخره ولا فرق فى ذلك بين من جحد الله وبين من جعل له شريكاً، وبين من أقر بالله وجحد بسيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو غيره من الأنبياء، وليس ذلك مختصاً بمشركى هذه الأمة. والمراد بالزكاة هنا وفى مثل هذا المقام نفس الجزء الذي يخرج من المال، لا إخراجه لقوله { آتوا } سمى باسم المصدر مبالغة فى أن بركة المال تزكوا به، وكذا ثواب الأعمال وفضيلة الكرم فى النفس، أو فى أن المال يطهر بها من الخبث والتلف، والنفس من البخل، فإن الزكاة لغة تستعمل بمعنى النمو وبمعنى الطهارة. { وَارْكَعُوا } صلوا الصلوات الخمس. { مَعَ الرَّاكِعِين } المصلين لهن بالجماعة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. روى الربيع بن حبيب عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم " الصلاة فى الجماعة خير من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة " وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم " بخمس وعشرين درجة " وقد ذكر أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبى ستة فى حاشية ترتيب مسند الربيع الجمع بينهما، بأن يكون الخمس والعشرون فى بعض الناس لقرب ديارهم من المسجد، أو لضعف إخلاصهم أو طهارتهم، أو خشوعهم أو إمامهم، والسبع والعشرون لغيرهم، وبنحو ذلك، والآية دليل على وجوب صلاة الجماعة إذا كانت الجماعة مستقيمة، عبر عن الصلاة بجزئها وهو الركوع، ويجوز أن يراد به الخضوع أى اخضعوا مع الخاضعين لأمر القرآن، ومحمد صلى الله عليه وسلم. قال الأصبط السعدى بن قُريع، قال زكريا هو من شعراء دولة بنى أمية
لا تهينَ الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
أى تخضع وتذل، وروى لا تذل الفقير. وفتح تهين على حذف نون التوكيد الخفيفة، وقال الشيخ خالد الأصبط السعدى المذكور قبل الإسلام بخمسمائة عام، ويمكن الجمع بأنه سبق الإسلام بذلك وأدركه، وعاش إلى دولة بنى أمية، وقبْل البيت
كل ضيق من الأمور يسع وسنا الصبح لا بقاء معه
وفى الآية دليل على خطاب الكفار بفروع الشريعة أيضاً، فإن إيقاع الصلاة فى الجماعة من فروعها أيضاً أمر اليهود بالصلاة الخمس، ثم أمرهم بأدائها مع الجماعة.