الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }

{ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ } أى يا أولاد يعقوب، فإن إسرائيل لقب مدح له - عليه السلام - فإن معناه بالعبرانية، وتسمى أيضاً العبرية صفوة الله، فإسرا هو صفوة، وإيل هو الله سبحانه وتعالى، وقيل معناه عبد الله، فإسرا بمعنى عبد وإيل بمعنى الله، وهو المشهور. وهو أيضاً لقب مدح إذا قصد باضافة العبد إلى الله جل وعلا التشريف، وقرئ إسرائيل بحذف الياء وإبقاء الهمزة، وإسرال بحذفهما، فلا حرف بين اللام والألف، وإسراييل بقلب الهمزة ياء فبين اللام والألف ياءان. وسمى الولد ابناً، قيل لأنه مبنى أبيه، ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه، يقال للكلمة بنت الشفة، ويقال للمسألة المستنبطة بنت فكر، ولمن مارس الحرب أو الحرب، فيضيفون الشىء إلى الصنعة، ولو لم يكن صانعا لها حقيقة، فإن الولد ولو كان مبناه الأب، لكن ليس أبوه صانعا له، وهكذا ما أشبهه. ويرده أن البناء لأمه بدليل بنى، والابن واوى اللام بدليل البنوة. { اذْكُرُوا نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وهى التوراة، ومعرفة ما فيها مما لم يحرف، والرزق الواسع فى الشام وغيره، وصحة الأبدان، وإدراككم خاتم النبيين محمداً - صلى الله عليه وسلم - فيرشدكم عما ضللتم فيه، وعما أضلكم من قبلكم فيه، وإنجاء آبائكم من فرعون وإغراقه. إذ لو ترككم فى أيدى القبط لكنتم مستعبدين بأيديهم إلى الآن إن لم يخلصكم منهم، وأنجاهم من الغرق والعفو عنهم، بعد اتخاذهم العجل إذ لو استأصلهم او أغرقهم لم توجدوا. ويحتمل أن يراد اذكروا نعمتى التى أنعمت على آبائكم، فحذف المضاف هى أنجاء آبائهم من فرعون والغرق، والعفو وتضليل الغمام، وإنزال المن السلوى، والإنعام على الاباء يستدعى الشكر، فإن فخر الآباء فخر الأبناء، فإن الإنسان يشرف بشرف آبائه، ويهان بإهانتهم ويعبر، وهذا واقع بين الناس معتاد، ويحتمل أن يكون فى الكلام حذف عاطف ومعطوف، أى عليكم وعلى آبائكم ويحتمل أن يكون الخطاب فى عليكم للحاضرين وآبائهم الموتى، تغليباً للحاضرين، وأما الخطاب فى قوله عز وعلا { اذْكُرُواْ } وفى قوله { يَا بَنِى إِسْرَائِيل } وفى قوله { وَأَوْفُواْ.. } إلخ فهو للحاضرين فقط. وأعنى بالحاضرين الأحياء ولو غابوا. ومذهب الجمهور وابن عباس أن الخطاب فى ذلك كله لبنى إسرائيل، الذين فى مدة النبى صلى الله عليه وسلم، حين نزول الآية، وغيرهم يلتحق التحاقاً. ومعنى ذكر النعمة ذكرها بالقلب، والتفكر فيها، والقيام بشكرها، وقد ذكرت نعم كثيرة، فالنعمة فى الآية جنس لا واحدة، والنعمة منفعة مفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وما ينتفع به الإنسان إنما يسمى نعمة من حيث إنها من الله بلا واسطة أو منه بواسطة، لا من حيث إنه انتفع به إلا بفرض نفسه، كأنها إنسان آخر كما يفرض الإنسان نفسه كذلك، فيخاطبها، والنعمة كلها من الله تعالى، لكن إما بلا واسطة، وإما بسبب طاعة، وإما بلا سبب طاعة، وقد فسر الله - عز وجل - النعمة المذكورة فى هذه الآية بقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7