الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

{ وَقُلْنَا يَا أَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ } حواء. { الجَنَّةَ } أى اتخذها أنت وزوجك منزلا ولا تخرجا منها، ولذلك لم يقل فى الجنة، فوكل اتخاذها منزلا إليهما، فلم يتحفظا عليها ففعلا ما يوجب خروجهما منها. وقد سبق قضاء الله تعالى بذلك، فلم يقل أسكنتك وزوجك الجنة لا تخرجان منها، وهى الجنة التى هى جزاء المؤمنين يوم القيامة. فالآية دليل على أنها موجودة الآن، وذلك كله هو الصحيح. وأل للعهد. وهو أيضا ذهنى، فإن الجنة التى هى فى عرف المؤمنين دار الجزاء والثواب، ويدل لذلك قوله { اهبطوا } فإنه أنسب بالنزول من علو إلى خفض. والجنة فوق السماء السابعة. وزعم بعضهم أن الجنة غير مخلوقة الآن، وأنها تخلق بعد قيام الساعة، وأن هذه الجنة التى كان فيها آدم وحواء بستان، كان بأرض فلسطين من الشام، أو بين فارس وكرمان، خلقه الله امتحانا لآدم، وأن الهبوط الانتقال منه إلى أرض الهند. وإنما خاطب آدم أولا وذكر زوجه بعده على طريق الغيبة، ولم يعكس بأن يقول يا حواء اسكنى أنت وزوجك الجنة، ولم يخاطبهما معاً بأن يقول يا آدم ويا حواء اسكنا الجنة، تنبيها على أن المقصود فى السكون بالذات هو آدم، وأن حواء تتبع له، وأن المرأة خلقت لينتفع الرجل بها، وتلد ذكورا وإناثا ليتم العالم الإنسانى، ولتعبد الله. ألا ترى تأخرها فى الوجود ونقصها؟ { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } نعت لمصدر محذوف، أى كلا رغدا أى واسعا رافها لا حجر فيه، وهذا إما على أن رغدا وصف، كما يستعمل مصدراً. أو على أنه مصدر بمعنى الوصف، وإما على تقدير مضاف أى كلا ذا رغدا، أى صاحب وسع. وإما على أنه نعت به للمبالغة، ويجوز كونه مفعولا مطلقا على حذف مضاف، أى أكل رغد. ويأتى كلام فى غير هذه السورة إن شاء الله تعالى - ولك ان تقول الأكل الرغد الأكل الهنىء، أو أكل الرغد أكل الهناء، وهو تفسير فيه زيادة الوسع. { حَيْثُ شئتُمَا } أى مكان من الجنة، أباح لهما أن يأكلا فى كل مكان منها. سواء كان المأكول من ذلك المكان الذى يأكلان فيه، أو كان من غيره ونقلاه إليه، وذكر لهما هذه التوسعة امتناناً عليهما، وتنبيها على غناهما بالكلية عن الشجرة. التى ينهاهما عنها. إذ مأكول الجنة غيره هذه الشجرة من أشجارها لا ينحصران. { وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } نهاهما عن قربها إما على المبالغة فى النهى عن الأكل منها، والمراد النهى عن الأكل منها، ولم يحرم القرب منها، ولكن عبر بصيغة تحريم قربها مبالغة، ووجه ذلك أن القرب من الشىء يدعو إلى دخوله وملابسته، وإما على الحقيقة بأن حرم عليهما القرب منها، كما حرم الأكل منها، لأن القرب منها يدعو إلى اشتهاء النفس لها، فيتناولها منها.

السابقالتالي
2 3 4