الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

{ الَّذِين } نعت للمتقين مقيد له، أعنى لمنعوته الذى هو بعض المتقين، إن فسرنا التقوى بترك ما لا ينبغى مترتبة عليه ترتب التحلية بالحاء المهملة، وهو التزيين بالأشياء الجميلة على التحلية، وهى التجريد من الأوساخ والأصداء، وترتب النفس فى الشئ على تصقيله، أو نعت للمتقين موضح له، إن فسرنا التقوى بما يعم فعل الطاعة وترك المعصية، لاشتمال التقوى على الإيمان والصلاة والزكاة، وهن أصل الأعمال والحسنات وأعمال القلب والبدن والمال، وعليهن يترتب سائر الطاعات وتجنب المعاصى غالباً، قال الله تبارك وتعالىإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } وقال صلى الله عليه وسلم " الصلاة عماد الدين " قال " والزكاة قنطرة الإسلام " أخرج البيهقى فى شعب الإيمان مرفوعاً بسند منقطع " الصلاة عماد الدين " ، وأخرج أبونعيم شيخ البخارى عن بلال بن يحيى مرفوعاً " الصلاة عماد عمود الدين " وهو مرسل، وقال إن رجاله ثقاة، وأخرج الطبرانى فى الكبير، والبيهقى فى شعبه مرفوعاً بسند ضعيف " الزكاة قنطرة الإسلام " وأخرج عمروس ابن فتح رحمه الله عن على عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى خطبته " ألا إنه لا صلاة لمانع الزكاة، لا صلاة لمانع الزكاة، والمتعدى فيها كمانعها " وروى الربيع عن أبى عبيدة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة ولا ضوء له، ولا صلاة ولا وضوء لمن لا صوم له، ولا صوم له إلا بالكف عن محارم الله ". أو الذين نعت للمتقين على طريق المدح، فهو التقوى صلته مدح لما تضمنه بعض المتقين من الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإنفاق مما رزقهم الله، وإنما يجعل الإنفاق الذى هو غير زكاة مما تضمنه بواسطة باعتبار أنها للمحاذرة عن النار بكل ما أمكن، ولأن التقوى تستتبع الأعمال الصالحة، ولك أن تقول التقوى الإيمان بالغيب، وتضمنت الصلاة والزكاة ونحوهما من الواجبات فقط، وخص ذلك بالذكر إظهاراً لتفضيلها على سائر ما يدخل تحت التقوى، أو الذين مفعول لأمدح أو لأعنى، أو خبر لمحذوف، أى هم الذين، ويجوز أن يكون الذين مبتدأ خبرهأولئك على هدى من ربهم } وإذا جعلناه نعتاً للمتقين، فالوقف على المتقين حسن، وكذا باقى الأوجه، إلا إذا جعلناه مبتدأ فالوقف على المتقين كاف، لأنه لو فصل عنه لفظاً فقد وصل به معنى، قاله السعد، وقال القاضى تام، والأرجح أن يكون نعتاً للمتقين، كأنه قيل المتقين المتصفين بأنهم { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب } الإيمان فى اللغة التصديق، والماضى أمن بهمزة فألف فميم مفتوحة، فالهمزة للتعدية، والألف بدل من الهمزة التى هى فاء الفعل الثلاثى، بوزن أفعل كأكرم، لأن مصدره إفعال بكسر الهمزة لا بوزن فاعل بفتح العين، إذ لم يكن مصدره فعالا بالكسر كان المصدق بكسر الدال صير المصدق بفتحها أمناً من أن يكذبه أو يخالفه، فالأصل أن يقول آمنت الغيب وآمنت النبى محمداً صلى الله عليه وسلم، أى صيرتهما آمنين من أن أكذبهما أو أخالفهما، بالتعدية بالهمزة المزيدة، ولكن عدى بالباء لتضمنه معنى الاعتراف بالقلب واللسان، أو بالقلب، أو باللسان دون القلب، فى حالة الكذب، ولو كان المشهور عندنا معشر الإباضية الوهبية أنه لا يدخل الإنسان فى التوحيد إلا باعتقاد وإقرار باللسان جميعاً، وقد يطلق بمعنى الوثوق، فالهمزة للصيرورة نحو أمنت زيداً أى صيرته ذا أمن من أن يكذبنى، يقول ناوى السفر ما آمنت أن أحد صحابة، أى ما أثق أن أظفر بمن أرافقه، وذلك إما على تضمين آمنت بالشىء بمعنى استوثقت، واطمأن قلبى إلى وجوده وصحته، وإما على أن الواثق صار ذا أمن به لم يدخله ريب من جانبه، وتلك الوجوه كلها حسنة فى الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد