الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً } هذا بيان للنعمة الأخرى مرتبة على قوله { فأحياكم } أى خلق لهم منافع الأرض ينتفعون بها، ويعتبرون بها. حياتهم الدنيا، واللام للتعليل أى خلق لأجلكم ما فى الأرض جميعاً تنتفعون به فى الدنيا والآخرة. ولم يخلق فيها شيئاً لغير ذلك. فبعض ما فى الأرض ينتفعون به نفسه لا بد أنكم ودنياكم بلا واسطة، كالثمرة والبطيخ والدلاع والعسل والسكر ونحو ذلك، مما يؤكل أو يتداوى مستقلا وبعض ما فيها تنتفعون به بواسطة غيره كالدباء وأنواع القرع، فإن ذلك ينتفع به بواسطة الطبخ، وكالأدوية المركبة كالجلجلان المسحوق المخلوط بدهن ورد، فإنه نافع للصداع الحاصل من حر الشمس، وكالبحر ينتفع به على السفينة فى تقريب المسافة البعيدة، ووصول أرض لا توصل بالبحر، كجزيرة الأندلس وجربة، وكل ما ينتفع به للدنيا ينتفع به للدين، استدلالا به على وجود الصانع سبحانه وتعالى، وكمال قدرته ويكتسب معرفة لذات الآخرة كما يميل بنعيم الآخرة بنعم الدنيا وينتفع بالدين بكل مخلوق يستدل به على ذلك الجبال والبحار وذات الإنسان وغيره، ويكتسب معرفة عذاب الآخرة من الدنيا، وجمع ما سوى الله مخلوق للتوصل به إلى الله - جل وعلا - لا لذاته، وإن قلت الآية تناولت ما فى الأرض دون الأرض نفسها، قلت نعم فى الظاهر، لكن منافع الأرض فى الحقيقة متناولة فى الآية لأن منافعها الدنيوية والأخروية من جملة ما فيها، فهى متضمنة لها مشتملة عليها، وأيضاً تفهم الأرض فى الآية من باب أولى لظهورها وعظمها جرما ونفعا، ولك وجه ثالث هو أن يراد بالأرض الجهة المستفلة بالنسبة للسماء، لا خصوص هذا لجسم السفلى، كما يراد بالسماء تارة الجهة العلوية لا خصوص ذلك الجسم العلوى، فتشتمل الآية باللفظ على هذه الأرض وما فيها، كأنه قيل خلق لكم ما تحت السماء من هذه الغبراء وما فيها. وتفيدنا الآية أن الأرض وما فيها كله مباحان للإنسان وحلال لنا أكلا وشربا ولبسا وركوبا ومداواة وغير ذلك، إلا ما قام عليه دليل، ولا يخفى أن المراد مجموع ما فى الأرض مخلوق مجموع بنى آدم وبعض ما فيها اشتركوا فيه، وبعض اختص به بعض، كالحرير والذهب للمرأة. وجميعاً حال من ما مؤكدة له. كما قال ابن هشام لا توكيد لما محذوف الرابط أى جميعه، كما تقول كله، خلافاً لابن مالك وابن عقيل. { ثُمَّ اسْتَوَى إلىَ السَّمآءِ } بعد خلق ما فى الأرض. ومعنى استوائه تعالى إلى السماء قصده إليها وتوجيه الإرادة إليها بأن يخلقها. يقال استوى زيد إلى كذا كالسهم المرسل إذا قصده من غير أن يميل إلى غيره. فكذا خلق ما فى الأرض وخلق بعده السماوات بلا خلق شىء بين خلقهن، وخلق ما فى الأرض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7