الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَها } ضاقت الصحابة ذرعا بما يخطر فى بالهم من الوسوسة فى صف الله سبحانه وتعالى، ومن الاتهام بالمعاصى، فنزل هذا فى أنه تعالى لا يؤاخذهم بمجرد الخاطر، لأنه كتب لهم فيه ولا رضى، فهذا مع قوله { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ، من كلام الله معترض بينما قال المؤمنون، قال ابن عباس وأكثر المفسرين نسخ ذلك حديث النفس لما نزلوإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه } عج المؤمنون، وقالوا يا رسول نتوب من عمل اليد والرجل واللسان فكيف نتوب من الوسوسة، وحديث النفس، فنزل { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، قلت ونزل معه فيما أظن قوله تعالى { لهَا مَا كَسبَتْ } من خير. { وَعَليْها ما اكْتَسَبَتْ } من شر، لأن معناه لا مؤاخذة بالوسوسة، لأنه ليس كسبا لها وإنما يجازى بما اكسب أو اكتسب غيره، أو اكتسابه إلا أن فى تسمية ذلك نسخا بحثا تقدم، والوسع الطاقة، والمعنى لا يكلف الله نفسا بما لا يدخل تحت قدرتها ولا يكلف الله نفسا بما يتوقف فصوله على صرف تمام قدرتها، وإنما يكلف بما يقدر على ما هو أشق منه، ألا ترى أنهم يطيقون على صوم شهر ويوم أو شهر ويومين وأكثر، وعلى صلاة أكثر من خمس الصلوات، وعل أكثر من خمسة دراهم، وهكذا ومثل الوسوسة فى ذلك ما يفعلى بلا عمل فإن التكليف على الخطأ والنسيان تكليف بما يخرج عن وسع النفس لما طلبوا المغفرة، قال لهم الله تعالى هى لكم، وأما ما لا عمد لكم فيه ولا اختيار فليس مما كلفتم به، فليس من ذنوبكم. ويجوز أن يكون { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } إلى آخره من كلام المؤمنين، لأن ما قبلهُ وما بعده منهم، أى وقالوا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولك ألا تقدر القول، كأنهم قالوا كيف لا نسمع ولا نطيع والله لا يكلف إلا طاقتنا، وأعلم أن التكليف بالمحال غير واقع من الله وغير جائز عليه، لأنه يستلزم من الظلم،وما ربك بظلاَّم للعبيد } والقول بجواز ما لا يجوز على الله مع عدم وقوعه، والقول بوقوعه سواء فى الكفر والمنع، فالآية ولو لم تكن نصافى منع ذلك لأنها مجرد إخبار أبانه لم يقع، لكن انتفاء الظلم عنه تعالى يوجب أن تكليف ما فوق الطاقة غير جائز كما أنه غير واقع، وكما حملناآمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون } على الوجوب، مع أن اللفظ إخبار لقرينة وجوب الإيمان، وأما أن يخلق الله للإنسان أو غيره ما يطبق به على عمل شئ، وقد سبق القضاء ألا يعمله، فليس تكليفا بالمحال، لأنه امتنع باختياره لا بالجبر، وقرأ ابن أبى عبلة وسعها بفتح الواو، وإنما نستعمل فى الكسب الخير والاكتساب فى الشر، لأن النفس مائلة إلى الشر فهى فى تحصيله مجتهدة، فناسب فيه لفظ اكتسبت لدلالته على العلاج، وبخلاف الخير فليست مائلة إليه.

السابقالتالي
2 3 4