الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ }؟ استفهام إنكارى، أنكر الله جل وعلا جواز كفرهم شرعاً، وجوازه عقلا. أو استفهام تعجبى دعاهم إلى التعجب بكفر أنفسهم. وفيه دعاء غيرهم أيضاً إلى التعجب، لأن العرب تخاطب الحاضر بصيغة التعجب، وتريد تعجبه وتعجب السامعين. ويجوز أن يكون الاستفهام فى الآية على طريق الاستفهام الإنكارى الظاهر، وهو نفى الوقوع بصيغة الاستفهام، كأنه قيل إن الكفر بالله مع ما ذكر من الإمامة والإحياء والموت غير واقع، تنزيلا له منزلة لم يقع إشعارا ببعده، لقوة الصارف عنه والداعى إلى الإيمان، حتى كأنه مستحيل، فعبر عنه بصورة المستحيل كقولك أتعيش بغير طعام وشراب؟ وقولك أتطير بغير جناح؟ والإنكار بكيف ولو كان إنكارا الحال الكفر التى يكون عليها، لكنها إنكار لنفس الكفر بطريقة الكناية، وهى أبلغ من التصريح، لأنها كلام متضمن للدليل والبرهان. وبيان ذلك أن المخلوق يوصف بالأحوال ولا يتصور بدونها، فاذا نفيت الحال أصلا كان نفيك له نفياً لممكن الوجود والاتصاف لها إذا وجد لكانت له حال ولا بد، فلما نفى حال الكفر كان نافياً للكفر من أصله لعدم تصوره بلا حال. وقد علمت أن نفيه على طريق تصويره بصورة المحال، وكأنه قيل لو كان هو موجودا لكانت له حال، لكنه لا حال فليس موجود، فهذا برهان ودليل، ولا تنكر قولى أن المخلوق لا بد له من حال بنحو الجبل الثابت فإن عرضه حال وطوله حال، وغلظه حال، وخشونته حال، وملاسته حال، وإتيان الليل عليه حال، وظلمته حال، وإتيان النهار عليه حال، وتنوره حال، ولونه حال، وتركيبه حال، وحلوله على الأرض حال، وحلول ما حل فى الهواء أيضاً حال وهكذا. فتبين لك أن الإنكار بكيف لأن مدلولها حال الشىء أبلغ من الإنكار بالهمزة لأنها للسئوال عن الشىء نفسه، وأنسب لما بعده من الحال. وهو قوله جل وعلا { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } ، وتتضمن كل من الإنكار والتعجب توبيخاً. والخطاب لكفار العرب، وصفهم أولا بسوء الاعتقاد والقول والفعل على طريق الغيبة، ثم خاطبهم على طريق الالتفات ووبخهم على كفرهم المصاحب لعلمهم بالموت والإحياء والإماتة، والإحياء المقتضى أن يكونوا مؤمنين، أى أخبرونى على أى حال تكفرون بالله. { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتا } أشياء لا حياة فيها، وهى مأكول ومشروب، ثم ما يتولد منها غذاء للبدن، ثم أخلاط ونطف وعلق ومضغ. والجملة من واو تكفرون بدون تقدير قد أو بتقديرها. فمذهب البصريين - إلا الأخفش - لزوم قد مع الماضى المثبت مطلقا، ظاهرة أو مقدرة، وقال الأخفش والكوفيون تلزم مع المقرون بالواو، وتجوز فى المقرون بالضمير والواو، أو بالضمير وحده. والأصل عدم التقدير ولا سيما مع الكثرة والأكثر فى الماضوية المثبتة الحالية قرنها بالواو وقد والضمير، ثم بقد والضمير، ثم بالواو والضمير ثم بالضمير، ذاكره ابن مالك، وجعل ابنه الرابعة أكثر من الثالث.

السابقالتالي
2 3