الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

{ لِلْفُقَراء الَّذِينَ أحْصِرُوا فِى سَبِيل اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضرباً فى الأَرْضِ } كأنه لما حث الله تبارك وتعالى على الإنفاق فى الآيات السابقات سأل سائل لمن هى؟ فأجاب بقوله { للفقراء } ، فهو خبر لمحذوف أى الصدقات المحثوث عليها للفقراء، أو يتعلق بفعل مقدر هكذا اعمدوا للفقراء، أو هكذا اجعل ما تنفقونه للفقراء، وقيل يتعلق بتنفقوا، الأول أى ما تنفقوا للفقراء من خير فلأنفسكم، وبين اللامين اختلاف، لأن النفقة نفع للفقير فى الدنيا، ونفع للمنفق فى الآخرة، أو اللام بمعنى على، أى ما تنفقوا على الفقراء من خير فلأنفسكم، ومعنى { أحصروا فى سبيل الله } ، حبسوا نفسهم على طاعة الله عموما كتعلم القرآن والصلاة وجهاد أعداء الدين، وقيل المراد الجهاد فى سبيل الله، ومعنى { لا يستطيعون ضربا فى الأرض } لا يستطيعون التفرغ للتجار وطلب المعاش لاشتغالهم بالجهاد، وقيل لضعف أجسامهم لجراحات أصابتهم فى الجهاد فى سبيل اللَّه، وقيل لا يستطيعون الجهاد لشدة فقرهم، وروى أنهم فقراء المهاجرين نحو أربعمائة رجل من قريش يستكنون صفة المسجد، يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة، ويخرجون فى كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن لهم بالمدينة مساكن ولا عشائر، يأون إلى صفة المسجد يتعلمون القرآن بالليل، ويرضخون النوى بالنهار، حث الله بالصدقة عليهم، فكان من له فضل أتاهم به إذا أمسى، والمتبادر فى عرف القرآن من سبيل الله الجهاد، والضرب فى الأرض الذهاب فيها أيضا، للتجر فى عرف القرآن، والإحصار أن يحول بين الرجل والسفر مرض أو عدو أو شغل مهم. وعن ابن عباس وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال " أبشروا يا أصحاب الصفة فمن بقى من أمتى على النعت الذى أنتم عليه راضيا بما فيه فإنه من رفقائى ". { يَحْسبُهُم الجَاهِلُ } جاهل حالهم، أى من جهل أنهم فقراء. { أغنياءَ منَ التَّعفُّفِ } متعلق بيحسب، ومن للتعليل، أى يظنهم جاهل فقرهم أغنياء لأجل تعففهم عن السؤال والتملق لصاحب المال، والخضزع له، والتعفف عن الشئ تركه، وهو تفعل من العفة للمبالغة، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين فى يحسبهم وتحسبهم ويحسبون ويحسبه ويحسبن فى جميع القرآن، والباقون بكسرها فى جميعه. { تَعْرِفُهم بِسِيمَاهُم } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح أن بعرفهم { بسيماهم } ، وهى علامتهم من الخشوع والتواضع، عند مجاهد، وقال الربيع بن أنس، والسدى، من أثر الجهد من الحاجة والفقر والضعف، صفرة ألوانهم من الجوع، ورثاثة ثيابهم ولباسهم، ونسب لابن زيد، وقال قوم هى أثر السجود، واستحسنه بعضهم، لأن همتهم الصلاة، وهذه الأقوال غير الأول والأخير قد تنافى قوله { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } اللهم إلا أن يقال المعنى جاهل حالهم لا يرى فيهم شيئا مما يعرف به الفقراء من عدم التعفف، وإنما يعرفهم بعلامتهم المذكورة من لونهم ولباسهم وضعفهم، وقيل سيماهم هيبة تقع فى قلوب من رآهم يتواضع لهم بها لإخلاصهم، كما أن الأسد تهابه السباع والوحوش والأنعام والدواب بطبعها لا بالتجربة، والبازى إذا طار نفرت منهُ الطيور الضعيفة.

السابقالتالي
2 3