الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ وَمثَلُ الَّذينَ ينْفِقُون أمْوالَهُمُ } نفقة تطوع وفرض كزكاة. { ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ } لأجل طلب رضى الله، وهو أن ينعم عليهم فى الآخرة ولا يعذبهم، ويقبل أعمالهم ويذكرهم بخير، فذلك لازم رضى الإنسان فى الجملة، فاستعمل الرضى فى حق الله بمعنى لازم الرضى فى الجملة لاستحالة حقيقة رضا المخلوق، عن الله تعالى فهو صفة فعل ولك أن تقول صفة ذات بمعنى علمه الأولى بكون المرء سعيداً وعمله منزله فى الآخرة وابتغاء مفعول لأجله مصدر ابتغى وهو ظاهر على صفة الفعل، وأما على صفة الفعل فصحيح أيضا وجهه إنا تعبدنا بالكسب مع أن قضاء الله لا يتخلف، ومرضاة مصدر مفرد، وجر تائه فى السطر مخصوص بالمصحف عندى، وفيه شذوذ آخر وهو لحاق التاء، لأن المصدر الميمى لا تلحقه لتاء إلا سماعا. { وَتثْبِيتاً مِنْ أَنفُسِهِم } من بمعنى لام التقوية، أى وتثبيتا لأنفسهم على الإسلام بأن ينفقوا أموالهم بقصد البقاء على الدين، لأنهم لو لم ينفقوا الواجب لفسقوا أو لم ينفقوا للتطوع للحقهم نقصان، لأن النفل يقوى الفرض، ومن لا يزداد نقص، ويجوز أن يكون نصبهما على الحال، أى مبتغين مرضاة الله ومثبتين لأنفسهم على الدين ويقدر الأول مضاف بأن إضافته لفظية فيعتبر التأويل بعد الإضافة أو بالإضافة اللفظية، فلا يشكل كون اللفظ ابتغاء معرفة، ويجوز أن يكون المعنى وتثبيتا لأنفسهم بعض تثبيت، والتثبيت الآخر، إنفاق أنفسهم باستخدامها بالغزو أو الحج أو طلب العلم أو نحو ذلك من وجوه الأجر، أو بكون المعنى تثبيتا لبعض أنفسهم بالإنفاق كان المال بعض النفس، فإنفاقه تثبيت لبعضها، واستعمالها فى أنواع الخير تثبيت لبعضها الآخر، وذلك أن المال شقيق النفس، ويجوز بقاء من على أصلها وهو الابتداء أى، تثبيتا صادر أو ثابتا من أنفسهم للإسلام، وتثبيت الإسلام تقريره التصديق به، فإن العمل بمقتضى التوحيد تقدير له، والعمل بما هو إسلام تقدير لسائر الأعمال التى هى إسلام، ولا سيما ذلك النوع المعمول بنفسه أو بقدر معمول التثبيت الثواب أو الجزاء أو نحو ذلك، ومن للابتداء، أى وتثبيتا من أنفسهم بالإنفاق للثواب، أى ينفقون ابتغاء مرضات الله وتحصيلا للثواب، ويجوز أن يكون المعنى مبتغين مرضات الله، ومثبتين صدقاتهم على الوجه النافع كما قال مجاهد والحسن معنى قوله { وتثبيتا } أنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم، قال الحسن البصرى كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت، فإن كانت لله خالصة أمضاها، وإن خالطها شك أو رياء أمسك، وإما أن يريد تفسيرا بالمعنى ولا إشكال، وإما أن يجعل تثبيتا بمعنى التثبت، فبطريق اسم المصدر فيضعف ولا يمتنع كما زعم بعض، لأن الغالب فى طريق اسم المصدر أن يذكر فعل المصدر ليدل، وبطريق المجاز الإرسالى لعلاقة التسبب أو اللزوم فواضح، وذلك أن التثبيت سبب للتثبيت أو بالعكس، أو ملزوم له أو بالعكس، ومثل قولهما قول بعض إن المعنى أن أنفسهم موقنة مصدقة بوعد الله إياها فيما أنفقت، وقرأ مجاهد وتبيينا من أنفسهم وهكذا، كما يقال المعنى تثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان، مخلصة فيه، أى على طريق التحبب إلى المؤمنين لو جربه فى الجملة، ولا يحتاج فى التشبيه إلى تقدير محذوف، لما مر أن التشبيه المركب لا يلزم فيه مطابقة كل فرد لمقابله ولصحة تشبيه الذى أخلص نفقته وأرباها بجنة أتت أكلها ضعفين، فى أن كلا خرج منه ما يرغب فيه، فهذه مطابقة فرد لمقابله فلا تحتاج إلى تقدير مثل الذين ينفقون إلخ كمثل غارس جنة نعم تزيد المطابقة بهذا التقدير.

السابقالتالي
2 3