الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وإذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ أرِنِى } وقرئ أرنى بإسكان الراء تخفيفا. { كَيْفَ تُحْيى المؤتَى } لعله سأل ربه ذلك حين قال نمرودأنا أحيى وأميت } بأن قال عليه السلام إن ربى يجعل الحياة حيث لم تكن وحيث كانت فزالت، وأنت لا تقدر إلا على أن تترك الحى حيا أو تقتله. فقال له نمرود أنت عاينت ذلك إن عاينت ذلك فأخبرنى. فأبى أن يقول نعم، فسأل ربه ذلك ليعاين فيقول عاينت ذلك، أو قال له نمرود إن كان ربك يحيى ويميت على حد ما قلت لنا، فأرنا ذلك عياناً فسأل، ربه أن يعاين هو ونمرود وقومه ذلك، فأجاب له ربه بأربعة من الطير يعاينون حياتهن بعد موتهن، ولا ينافى الوجهين قوله { قالَ أوَلَمْ تؤمِنْ } وقوله { قَالَ بَلَى } لست لم أو من. { ولِكنْ ليطْمئِنَّ قَلْبى } لأن المراد على الوجهين أو لم تكتف يا إبراهيم بما قد صح عند نمرود وقومه فى قلوبهم من أن الله وحده يحيى ويميت، حتى صرت فى سؤالك كمن لم يؤمن فأجابه إبراهيم، بأنى أريد طمأنينة القلب بزيادة اليقين، وقوة الحجة بمعاينة كيفية الإحياء يكون كذا ويكون كذا، فتصير حية بعد الإيمان بمطلق البعث، أو الخطاب له لفظا، والمراد خطاب نمرود أخبره الله أنه قد علم نمرود أنى أحيى وأميت، وجحد بلسانه، وأنك قد أفحمته فقال إبراهيم قد علمت ذلك بإعلامك، ولكن سألتك ليزداد قلبه سكونا لعله يقر بلسانه، وهذا وجه ضعيف، والمشهور وفيه السلامة، أن إبراهيم سأل من نفسه ابتداء لا ليرى نمرود ذلك، وأن الخطاب له لفظا ومعنى، ليصير له علم اليقين عين اليقين بإضافة العيان إلى الوحى والإستدلال، وليس الخبر كالعيان، سواء كان سبب سؤاله مقال نمرود أولى، وقد روى أن سبب سؤاله أنهُ مر على جيفة حمار، وقيل سمكة حيث يمد البحر ويجزر إذا مد أكلت منها الحيتان، وإذا جزر أكلت منها السباع، وإذا ذهبت أكلت منها الطير، وقد تجتمع الطير والسباع كغربان مع ذئب فتنجب، فقال يا رب قد علمت أنك لتجمعها من بطون السباع وحواصل الطير وأجواف دواب البحر، فأرنى كيف تحييها لأعاين ذلك، فازداد يقينا، والمعنى أولم تؤمن يا إبراهيم بأنى قادر على إحياء الموتى برد ما فنى بنفسه وإعادة التركيب؟ وقد علم الله أنه أعظم الناس إيمانا بذلك، ولكن قال ذلك ليعرف السامعون غرض إبراهيم، وقيل عن سعيد بن جبير أولم تؤمن بالخلة، ولا دليل عليه فى هذا المقام، وإنما المراد عموم الإيمان أو الإيمان بإحياء الموتى، والواو للعطف، والهمزة للتقرير لما بعد لم أو لإنكار النفى وهى مما بعد الواو أو داخلة على محذوف، أى أقلت ذلك ولم تؤمن؟ أو شككت ولم تؤمن؟ وعلى الوجه الأول المعطوف من الله والمعطوف عليه هو قول إبراهيم { رب أرنى كيف تحيى الموتى } ، عطف استفهام على دعاء كما يقول الإنسان قام زيد فتقول.

السابقالتالي
2 3 4 5