الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ وَبَشِّرِ } خبر وأصل البشارة إظهار السرور فى بشرة الوجه وهى جلدته، فإن النفس إذا فرحت انتشر الدم كما ينتشر الماء فى الشجرة. فاستعملت فى الخبر الذى يسر من سمعه، كأنه قيل أظهر أثر الفرح فى وجوه المؤمنين بإخبارك إياهم أن لهم جنات. وإنما يظهر كمال ظهور بالخبر الأول. فمن قال لعبيده من بشرنى بقدوم ولدى فهو حر، فأخبروه فرادى، أعتق أولهم. وقد قيل إن البشارة هو الخبر الأول وإن قال من أخبرنى، فأخبروه واحداً بعد واحد عتقوا جميعاً. إلا أن نوى غير ذلك فله نيته. واستعمال البشارة فى الخبر حقيقة، وفى الشر مجاز على طريق التهكم بالاستعارة التبعية لعلاقة التضاد، أو على طريقة قوله تحية بينهم ضرب وجيع، من حيث إنه خبر غير سار وإن لم يكن فيه تهكم والخطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - أو لعالم كل عصر من زمانه - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر الدهر، فشمل النبى - صلى الله عليه وسلم - وخلائقه، وهم العلماء، أو لكل من يتأهل أن يبشر المؤمنين ويقدر عليه، والمتبادر هو الوجه الأول. والثالث أوكد وأبلغ. لأنه يشعر بأنه ثبوت الجنات لهم حقيق بأن يبشرهم به كل من قدر على التبشير به، لعظم شأنه لكن الوجه الأول مع مبادرته قد تضمن هذا، لأن الحكم الذى خوطب به النبى صلى الله عليه وسلم حكم لأمته تبعاً له شرعاً، فقد أشعر شرعاً أن الأمة حقيق لهم أن يبشر به بعضهم بعضاً. والثانى أظهر فى المراد، غير أن العلماء أيضاً يتبعهم غيرهم فى التبشير، كما اتبعوا هم النبى - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل أبشروا يا أيها الذين آمنوا إن لكم جنات تفخيما لشأنهم، وإشعاراً بأنهم احقاء أن يبشروا أو يهنئوا بما أعد الله لهم، والحملة مستأنفة، متصلة فى المعنى، بقوله { فَإن لَمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفعْلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ } لأن كلا منهما وصف لحال فريق وجزاؤه. فالأولى وصف لحال من كفر بالقرآن وكيفية عاقبته. والثانية وصف لحال من أمن به وكيفية ثوابه، وزادت الجملتان اتصالا إذا كان الإيمان والكفر جميعاً بشىء واحد، وهو القرآن. وقد جرت سنة الله فى كتابه أن يعقب الترهيب بالترغيب. والترغيب بالترهيب. زجراً عما يردى عن الله وإعزاء بما ينجى أو مستأنفة متصلة فى المعنى بقوله { فَاتَّقُوا النَّارَ } للمشاكلة بالتضاد بالإنذار والتبشير، لأنهم إذا لم يأتوا بمثل سورة منه بعد التحدى ظهر إعجازه، وإذا ظهر فمن كفر استوجب العقاب بالنار، ومن آمن استوجب الجزاء بالجنة، وذلك يستدعى أن يخوف هؤلاء ويبشر هؤلاء وقرأ زيد بن على وبشر - بالبناء للمفعول - على أن الجملة مستأنفة متصلة فى المعنى بأعدت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد