الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

{ فَلمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بالجُنودِ } أى انفصل بهم عن بلده. فإن فعل يستعمل لازما بمعنى انفصل، كما يستعمل متعديا على أن أصله فصل نفسه عن بدله مثلا، فكثل حذف مفعوله الذى هو نفسه مثلا فصار لازما لا ينوى له مفعول، ومصدر هذا اللازم فعول ومصدر المتعدى فعل، وقيل ضمن معنى خرج فلزم، والباء للمصاحبة متعلق بمحذوف حال من طالوت، والجند كل صنف من الخلق، فالإنسان جند، والجراد جند، والنمل جند، والذباب جند، ويختص بالحيوان، وقد يطلق على القوم المتهيئون للقتال وهو المراد هنا لما رأو التابوت، لم يشكوا فى النصر فسارعوا إلى الجهاد، وقيل خرج بهم طالوت من بيت المقدس، وهم سبعون ألفا، وقال السدى، وغيره ثمانون ألفا، وقيل مائة وعشرون ألفا، وقال لهم طالوت لا حاجة لى إلى كل ما أرى لا يخرج معى رجل بنى بيتاً لم يفرع منه، ولا تأجر مشتغل بالتجر، ولا من تزوج امرأة لم يبن بها ولا رجل عليه دين، ولا أبغى إلا الشاب النشيط الفارغ، فاجتمع إليه على شرطه سبعون، وقيل ثمانون، وقيل مائة وعشرون، وقد كانوا أكثر من ذلك، وكان ذلك فى وقت الحر الشديد، فسلكوا مفازة فشكوا إلى طالوت قلة الماء بينهم وبين عدوهم، وقالوا إن المياه لا تحملنا، فادع الله أن يجرى لنا نهرا فدعا فأجيب، فقال كما قال الله عنه. { قالَ } طالوت. { إنَّ اللَّهَ مُبْتلِيكُم بِنَهرٍ } معاملكم معاملة المختبر بسبب اقتراحكم النهار إذ لم تصبروا، فيظهر بالابتلاء المطيع والعاصى والله عالم بهما، وهكذا شأن من يقلق ويتعرض للقضاء، وهو نهر عذب بين الأردن وفلسطين، وعن ابن عباس نهر فلسطين، وقرأ مجاهد وابن السماك بإسكان هاء نهر فى جميع القرآن، وكل ثلاثى حشوه جرف خلق فيه لغتان إسكانه وفتحه كشقر وصحن. { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ } أى من مائه. { فَليسَ مِنَّى وَمنْ لَّم يَطعَمْهُ فإنَّهُ منِّى } من ظهرت طاعته فى ترك الماء علم أنه يطيع فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته فى الماء وعصى الأمر فهو بالعصيان أشد وأحرى فى الشديد، وإنما علم طالوت ذلك فى الوحى إن كان نبيا، كما قيل إنه جمع له بين النبوة والملك، وقيل ليس نبيا كما مر، ولكن تحمل هذا الكلام معه من النبى أشموئيل، وقيل لضمير فى، قال، عائد إلى النبى أشموئيل، والمعنى ولما فصل طالوت بالجنود قال لهم نبيهم إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى، ومعنى ليس منى ليس من أشياعى، أو ليس من أهل ولايتى، أو ليس بمتحد معى فى أمر الدين، وقوله { فإنّه منِّى } على عكس ذلك، ومعنى { لم يطعمه } لم يذقه من قولك طعمت الشئ إذا ذقته مأكولا أو مشروبا، وليس من الطعم الذى بمعنى الأكل فى قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5