الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }

{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ } الخمس بأدائهن أول أوقاتهن بطهر وخشوع وإخلاص ومداومة والخطاب للناس كلهم، قال ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم " أمر بعبد من عباد لله أن يضرب فى قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل الله تعالى ويدعوه حتى صارت واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه أفاق فقال على ما جلدتنى؟ قال لأنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره " وعنه صلى الله عليه وسلم " أن الصلاة ثلاثة الطهر ثلث والركوع ثلث والسجود ثلث فمن أداها بحقها قبلت منه وقبل منه سائر عمله، ومن ردت عليه صلاته يرد عليه سائر عمله " ويروى عن النبى صلى الله عليه وسلم " أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فإن قبلت منه نظر فيما بقى من عمله، وإن لم تقبل منه لم ينظر فى شئ من عمله " قال أنس بن حكيم الضبى قال لى أبو هريرة إذا أتيت أهل معرك فأخبرهم أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أول ما يحاسب به العبدُ المسلم الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قبل انظروا هل من تطوع، وإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك " ، وكذا عن تميم الدارى، إلا أنه قال " ثم الزكاة مثل ذلك تؤخذ الأعمال على حسب ذلك " ونظرت كيف أعقب الله آيات النكاح والطلاق وتوابع ذلك بالمحافظة على الصلاة، وظهر لى بعد إفراغ وسعى أنه أعقب بذلك لعظم أمر النكاح والطلاق وتوابعهما واشتغال النفس، فحذرنا مولانا سبحانه وتعالى أن نشتغل بشئ عن المحافظة على الصلوات الخمس، وأكد ذلك بالأمر بها، ولو حال الخوف فى قتال أو دون قتال فى ركوب أو مشى، ثم رأيت القاضى ذكر ما يقرب من ذلك، والحمد لله إذ قال ولعل الأمر بها فى تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها وعد المحافظة بعلى لتضمنها معنى المداومة أو المراقبة، وصيغة المفاعلة هنا لموافقة المجرد، كأنه قيل احفظوا على الصلوات أى دوموا أو للمبالغة فى الحفظ لها، وذلك أن الفعل فى مقابلة من يفعل يكون أقوى لزيد اجتهاد فاعل حينئذ ليلا يغلب، وأما ما قيل من أن المفاعلة على بابها بل أن يكون المعنى احفظوا الصلوات يحفظكم الله أو أن يكون المعنى احفظوا الصلوات تمنعكم من المعاصىإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } أو احفظوا الصلاة تحفظكم من البلايا استعينوا بالصبر والصلاة إنى معكم، لأن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة أى بالنصر، إذ يحفظها بتنوَّر القلب بنور يسهل أداء الفرائض وترك المعاصى، ولا يصح ذلك من جهة القاعدة القريبة، ولو صح ذلك معنى حقا لأنه لم يقل الله جل وعلا حافظوا الصلاة ولا حافظوا الله، وظهر لى الآن إبقاء المفاعلة على بابها بأن يكون المعنى الأمر بأن يتبادروا فى محافظتها، ويجتهد كل واحد أن يزيد على الآخر بالمحافظة أو بالسبق فيها ليرى الله أيهم أحسن عملا.

السابقالتالي
2 3 4 5