الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ وَالوَالِداتُ } المطلقات رجعيا أو بائنا، وغير المطلقات لعموم اللفظ ولا موجب للتخصيص، وقيل المراد الوالدات المطلقات، لأن الكلام فى المطلقات قبل هذا فليعقب بهذا فيهن، ليبين كيف حكم الولد إذا كان للمطلقة، إذ قد يختلفان ولا سيما أن يستوحشن أحدهما فيقصد، أى الآخر فيقصد بإذاء ولده، وأيضا قد ترغب فى التزوج فتمهل أمن الطفل وكذا هو فراعى الله جانب صلاح الطفل، ولقوله تعالى { وعلى المولود رزقهن وكسوتهنّ بالمعروف } ، ولو كانت الزوجة باقية لوجب ذلك لهما لأجل الزوجية لا لأجل الرضاع، والجواب أنه لا يجب تعلق الآية بما قبلها، وأنه تستحق جزءاً من المال للزوجية، وجزءاً للرضاع ثم إنه لا يخفى ما فى قول بعض أن المراد غير المطلقات وأن المطلقة لا لا تستحق الكسوة، بل الآخرة، وإن قيل تستحق الكسوة إلى النفقة بالنكاح، فما وجه تعلق ذلك بالإرضاع؟ فلنا وجهه أنه قد يقال إنه يسقط ذلك لها لاشتغالها بالطفل عن الاشتغال بأمر الزوج، فأوجب الله لها ذلك ولو اشتغلت بالطفل. { يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ } لفظ الكلام إخبار والمعنى أمر أى لترضع الوالدات أولادهن للمبالغة، كأنه أمرن بالإرضاع حولين كاملين، فوعدن بالامتثال على الكمال، وشرعن فيه فصار يخبر عنهن بأنهن يرضعن أولادهن حولين كاملين، والأمر هنا للندب لقوله تعالىفإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ولو وجب عليها لما استحقت الأجرة وقوله تعالى { وإنْ تعاسرتم فسترضع له أخرى } ووجه الندب أن لبن الأم أصلح للولد فى التربية، لأن الولد منها وأنها أشفق إلا إن لم يقبل عن غيرها أو لم يوجد غيرها أو وجد بالأجرة ولم يجد الأب ما يأجر به، فيجب عليها كما يجب على كل أحد مواساة المضطر، وقيل إن لم يطلقها أو طلقها رجعيا وجب عليها إرضاعه، ولا تجد أجرة، وبه قال أبو حنيفة، وأجاز لها أن تطلب الأجرة فى عدة البائن، وبه قال الشافعى، وقال الحسن لا يجوز. وإذا تمت عدتها جاز إجماعا، ولك أن تحمل الأمر فى الآية على ما يشمل الواجب وغيره من باب عموم المجاز، بأن يطلق على مطلق الطلب أو من جمع الحقيقة، والمجاز على قول بالجواز، ويجوز أن يكون الكلام إخباراً لفظا ومعنى، أى الحكم الشرعى أن يرضعن أولادهن حولين كاملين، والحول العام، وسمى حولا لأنه يحول وينقلب، ووصف الحولين الكاملين تأكيداً ودفعا للمسامحة، لأنك قد تقول أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما، وتقول لم أره منذ عامين، وتريد العام وبعض العام. { لمَنْ أرادَ أنْ يُتمَّ الرَّضَاعَةَ } اللام للبيان، وهى متعلقة بمحذوف خبر لمحذوف، أى ذلك الحكم ثابت أو نازل أو مبين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ويجوز تعليقها بيرضعن، فتكون للتعليل أو للنفع، ومن للابتداء، وإذا جعلناها للبيان كانت من للابتداء، والأمهات الوالدات أولهن فقط، أو لهم ولهن وغيرهم من يتشوف إلى معرفة حكم الله ليأمر به وينفذه، أو يفعله، وقرأ ابن عباس { لمن أراد أن يكمل الرضاعة } وقرأ الرضاعة بكسر الراء وقرأ الرضعة بفتحها وإسكان الضاد، وقرأ أن يتم الرضاعة بضم الميم فقيل على إهمال إن حمل على ما المصدرية إذ هما معا مصدريتان وهو لغة، وقيل على حذف واو الجماعة من الخط شذوذا بعد حذفها من اللفظ لئلا يلتقى ساكنان، وعلى هذا علامة النصب حذف النون، والأب يجب عليه الإرضاع كالنفقة، والأم ترضع له كما مر تعليق اللام ليرضعن، وقوله { لمن أراد } دليل على أن إتمام الحولين غير واجب، إذ علقه بالإرادة، جعل الله الآية حدا عند اختلاف الزوجين فى مدة الرضاع، فمن دعا منهما إلى تمام الحولين فذلك له، وإن اتفقا على النقص منهما جاز إن لم تكن فيه مضرة للولد، وكان أصلح له، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى { فإن أرادا فصالا } الآية، ومن دعا منهما إلى الزيادة على الحولين فليس ذلك له إلاّ برضا الآخر إلا أن تضرر الولد بعدم الزيادة، وعلى كل حال فلا رضاع بعد الحولين، أعنى أنه لا تحرم عليه من أرضعته بعدهما، ولا يحرم عليها ولا تحرم عليه أمها أو ابنتها أو جدتها أو أختها، وكذا من جانبه، وكذا إن كان الولد أنثى لا يحرم عليها من أوضعتها أو ابنها أو أخوها، وكذا ما أشبه ذلك وبسطته فى الفروع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8