{ وَلا تَنكِحُوا المشُرِكَاتِ حتَّى يؤمِنَّ } أى لا تتزوجوا أيها المؤمنون النساء المشركات حرائر أو إيماء حتى يؤمن، والآية بلفظها تشمل الكتابيات، لأن أهل الكتاب الذين بلغهم أمر النبى ولم يتبعوه مشركون، ولو عملوا بالتوراة والإنجيل، بل لا يتصور أن يكونوا عالمين عاملين بها مع عدم اتباعه صلى الله عليه وسلم، لأنه صل الله عليه وسلم مذكورٌ فيهما، مأمور فيهما باتباعه، والإيمان به، وبنسخ ما ينسخ على يديه، وكذلك من لم يبلغه أمره صلى الله عليه وسلم منهم، وقال عزير ابن الله، أو قال المسيح ابن الله، وقد قال الله جلا جلاله{ وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } إلى قوله تعالى{ سبحانه عما يشركون } ولكن خصت من عموم المشركات فى هذه الآية النساء الحرائر المحصنات الكتابيات لآية المائدة{ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } فهن حلال لمن يتزوجهن من المؤمنين، وهذا تخصيص من عموم والعمل بالخاص لا نسخ عموم، وسورة المائدة ثابتة كلها لم ينسخ منها شئ، وقال جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " تزوجوا نساء أهل الكتاب ولا تزوجونهم نساءنا " وكانت الصحابة كابن مسعود يتزوجون نساء أهل الكتاب الحرائر المحصنات، ولم يظهر من أحد منهم إنكار لذلك، فكان إجماعاً على الجواز، وكره عمر بن الخطاب تزوجهن كراهة تنزيه لا تحريم، إذ كثرت المؤمنات، وزعم بعض العلماء أنه لا يجور تزوجهن، لأن لفظ المشركات يتناولهن، والتخصيص والنسخ خلاف الأصل، ولعله ممن يعمل بالعام لا بالخاص وهو خطأ، ثم إن قتادة وسعيد بن جبير قالا الآية عامة فى كل كافرة وخصصتها آية المائدة ولم يتناول العموم قط الكتابيات، أى لم يتناولهن العموم فى المعنى، فضلا عن أن يقال آية المائدة ناسخة لهذا العموم، ولو تناولهن لفظاً لقوله بالتخصيص، وقال ابن عباس والحسن ومالك يتناولهن العموم ثم نسخت آية المائدة بعض العموم، وهو عموم الكتابيات، وزعمت طائفة أنه يجوز تزوج كل كافرة تقول لا إله إلا الله، ولا تجعل مع الله إلهاً آخر، وهذا خطأ، وعن الحسن، إذا قالت الكتابية لا إله الله فطأها، ولا يجوز عند الجمهور منا تسرى إماء الكتابيات حتى يؤمن، وأجازه ابن عباس والشيخ هود رحمهم الله، وليس كذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم انتظر بتسرى إحدى الأمتين مارية وأختها أن تسلم فسبقت بالإسلام مارية فتسراها، وهما كتابيتان، وروى أنه صلى الله عليه وسلم بعث مرثد بن أبى مرثد الغنوى وقيل يكنى أبا مرثد الغنوى، واسمه يسار بن حصين حليف حمزة بن عبد الله وقد شهد بدراً إلى مكة ليُخِرجَ منها سرا ناساً من المسلمين يعذبهم المشركون فيها على الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلم لا يزال يبعث فى ذلك، وروى أنه بعثه ليأتى بحاطب بن أبى بلتعة حليف الزبير بن العوام، وكان يعرب بمكة على الإسلام، فأتته عناق، إذ دخل مكة فقالت ألا تخلوا، وكان يهواها فى الجاهلية، فقال إن الإسلام قد حال بيننا، فقالت هل لك أن تتزوج بى فقال نعم، ولكن أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت الآية، ويروى أنها كانت ذات جمال ومال، وكان يأتيها، ولما أسلم أعرض عنها وكره مع ذلك أن يتزوجها، ودخل مكة ليلا متقنعاً فعرفته عناق، فقالت له مرحباً مرحباً فدعته إلى نفسها فقال ويحك فإنك حرام على.