الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

{ زُيِّن للَّذِينَ كَفَرُوا الحَياة الدُّنْيا } أى زين لهم الشيطان الحياة الدنيا بوسوسته لهم فى إغرائهم بها وتصويرها فى غير صورتها، فأعرضوا عن دين الله وأهلكوا بها، ويجوز أن يكون المعنى زينها الله جل وعلا لهم، بمعنى أنه خذلهم لسؤ اختيارهم، فأحبوها وأكبوا عليها، ويجوز أن يكون التزيين من الشيطان والعياذ بالله تعالى منه، ولكنه نسبه الله إلى نفسه، لأنه مهل الكفار فى تزيين الشطان لهم، ويجوز أن يكون من الشيطان، ونسبة الله لنفسه لأنه أمهل الشيطان فى تزيينه لهم، ويدل لهذه الأوجه الثلاثة قراءة بعضهم { زَيَّن للذينَ كَفَرُوا الحْيَاةُ الدُّنَيا } ببناء زين للفاعل ونصب الحياة الدنيا، والله سبحانه أيضاً خالق لتزيين الشيطان، وخالق لميل النفس إلى الأمور البهية، والأشياء الشهية، والقوة الحيوانية، وهذه الأمور التى فيها وفى غيرها مزية هى والشيطان للإكباب عليها بالعرض، والله مزين بالذات، لأنه الخالق لكل شئ، والمزين الشيطان وغواة الإنس يقولون لهم لا بعث، فيكبون على الدنيا، والذين كفروا كفار قريش وغيرهم، كأبى جهل وأصحابه، كانوا ينكرون البعث ويتنعمون بالدنيا، وقيل المنافقون عبد الله بن أبى وأصحابه، وقيل اليهود، وعبر بالماضى فى التزيين للفراغ منه، وعبر بالمضارع فى السخرية للحال والتجدد فى قوله { ويَسْخرُونَ مِنَ الَّذين آمنُوا } فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب وابن مسعود، أو من المؤمنين مطلقاً ولو أغنياء، يقولون انظروا إلى هؤلاء الفقراء تركوا ما ينتفعون به من الدنيا طمعاً فى دار يزعمون أنها العقبى، ولو أشركوا لانتفعوا بكل ما يحرم عليهم دينهم، أو إلى هؤلاء المؤمنين مطلقاً كيف تركوا ذلك، وكيف تركوا الشهوات الحاضرة لعاقبة يزعمون أنها كائنة بعد، ولا بد، وكيف أتعبوا أنفسهم بدين لم يلفوا عليه آباءهم، والحاصل أنهم يستعلون عليهم بالمال، وترك أتباع دين غير مألوف لهم، وادعاء دار غائبة، وقيل يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين يقولون محمد إنه يغلب بهم، ومن للابتداء إذ السخرية متصورة بالمؤمنين إذ فعلوا ما يسخر منهم به الكفار، فسبب السخرية ناشئ من المؤمنين، إذ فعلوا موجبها أو بمعنى على. { والَّذينَ اتَّقَوْا } هم الذين آمنوا المذكورون لك، ذكرهم بالتقوى الحاصلة فيهم، ليشعر بأن سبب كونهم فوق الذين كفروا فى الآخرة هو التقوى لا مجرد الإيمان، فذلك ترغيب فى التقوى، وزجر لمن يغتر بمجرد الإيمان من أصحاب الكبائر، وإن شئت فقدر والذين اتقوا الشرك، وهم هؤلاء الذين آمنوا يسخر منهم الكفار، وهم مستجمعون فى نفس الأمر للإيمان وترك المعاصى. { فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ } لأنهم فى عليين فوق السماء السابعة، والكفار فى سجين أسفل الأرضين، وهذا علو محس فيه علو شأن، أو لأنهم فى كرامة،والكفار فى هوان، وهذا علو معقول صاحبه فى نفس الأمر علو محس، وكذا إن قلنا هم غالبون على الكفار متطاولون عليهم، يضحكون منهم كما ضحك الكفار منهم فى الدنيا، وهذا قول الحسن.

السابقالتالي
2