الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

{ فَإن زَلَلْتُم } ملتم عن الدخول فى السلم كافة، بأن دخلتم فى بعضه فقط، أو دخل بعضكم فقط، وقرأ أبو السمال زللتم بكسر اللام، وهو لغة كضللت وضللت، وأصل الزلل فى القدم كالزلق وزناً ومعنى، استعمل فى الخروج عن الحق. { مِن بَعدِ ما جَاءَتْكُم البَيِّناتُ } الحجج الظاهر الشاهدة على أن ذلك السلم المأمور بالدخول فيه هو الحق إن كان الخطاب الأول للمؤمنين، فالآيات القرآن والمعجزات، وإن كان لأهل الكتاب المشركين فهن ما جاءهم أيضاً فى التوراة من أمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته أو هن القرآن والمعجزات أيضاً. { فاعْلَموا أنَّ اللّهَ عَزِيزٌ } غالب لا يعجزه شئ عن الانتقام ممن لم يدخل فى السلم ولا ممن دخل فى بعضه فقط. { حَكِيمٌ } فى صنعه لا يضع الجزاء بالسوء إلا فى أهل السوء. والجملة تعليل لجواب محذوف سدت. مسده أى عاقب من لم يدخل فيه ومن دخل فى بعضه فقط لأنه عزيز حكيم، سمع أعرابى قارئاً يقرأ { إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحِيمٌ } فأنكره، ولم يقرأ القرآن، وقال إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم، لا يذكر الغفران عند الزلل، لأنه إغراء عليه. { هل يَنْظرُون } ينتظرون والاستفهام فى معنى النفى، ولذلك أجيب بإلا، والضمير لمن لم يدخل فى السلم، ومن دخل فى بعضه وهم المتبعون لخطوات الشيطان. { إلا أنْ يأْتِيَهم اللّهُ فى ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ } على حذف مضاف، أى أمر الله، بدليل قوله تعالىهل ينظرون إلا أن تأيتهم الملائكة أو يأتى أمر ربك } أو بأس الله كقوله سبحانهفجاءهم بأسنا } أو على حذف المتعلق، أى إلا أن يأتيهم الله بأمره، كما ورد ما يقرب منه فى آية أخرى، أو ببأسه كما يدل له { عزيز حكيم } ، فإن العزة فى حكمه تناسب البأس الذى لا يطاق، وهى صفة قهر، والعزة بلا حكمة قد تضع حيالها وعدتها، وهذا فى الجملة، والله منزه عن الحيلة، وهذه الباء المقدرة للتعدية كهمزة التصيير، أى إلا أن يصير الله أمره أو بأسه آتياً، والمعنى فى ذلك كله واحد، ولا بد من المصير إليه، لأن الله تعالى منزه عن الحركة والسكون، لأنهما يستلزمان الحد والتحيز والجهاد والتركب والعجز والحدوث وغير ذلك من صفات الخلق، هذا مذهبنا ومذهب المعتزلة والمحققين من الشافعية كالقاضى، وفي سبيل ذلك أن نقدر أن يأتيهم قهر الله أو عذابه، فإن ذلك من أمره، أو نجعل فى بمعنى الباء، أى أن يأتيهم الله بظلل من الغمام، أى أن يصير الله ظلل الغمام آتية إياهم. والحاصل أن مذهبنا ومذهب هؤلاء، تأويل الآية عن ظاهرها إلى ما يجوز وصف الله به، وذلك مذهب المتكلمين، وحكمة حذف المضاف أو ذلك المتعلق التهويل عليهم، إذ لو ذكرك أن أسهل عيلهم إلا تراهم لتكذيبهم يقولون

السابقالتالي
2 3