الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ يَا آيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } لما ذكر المؤمنين والمشركين والمنافقين وخواص هؤلاء الفرق الثلاث، ومصارف أمورهم كصرف المؤمنين حواسهم إلى الحظوظ الآجلة، والمشركين والمنافقين حواسهم إلى العاجلة، أقبل عليهم بالخطاب على طريق العرب، فى التفاتها من الغيبة إلى الخطاب، تحريكاً للسامع وتنشيطاً له، واهتماماً بأمر العبادة وتفخيما لشأنها، فإن التفنن فى الكلام والخروج فيه من تصنيف إلى تصنيف ما يستدعى زيادة إصغاء، هذا كما تقول لمخاطبيك إن من فعل كذا أو كذا لحميد وإن جزاءه من الخير كذا وكذا، وإن من فعل كذا وكذا لذميم، وإن عقابه كذا وكذا يا بنى فلان أنه حق عليكم أن تنظروا لأنفسكم ولا تهملوها وتلزموها طريق النجاح لتفوزوا عن الهلاك إلى الفلاح، ولما كان فى عبادة الله - عز وجل - مشقة يلزم الشيطان ساحتها، ويقوى ما ضعفت منها جبرها الله - جل وعلا - بخطابه الناس، لأن فى خطابه إياهم لذة وإيناساً. وإنما ناداهم بيا وهى للبعيد والله - سبحانه وتعالى - أقرب من حبل الوريد، لأنهم بسهوهم وغفلتهم منزلون بمنزلة البعيد، وللتأكيد فى النداء إيذاناً بإنما يتلو النداء مما يهتم به الغافل، والبعيد يعتنى بأمره خوفاً عليه أكثر مما يعتنى بالقريب، وأما دعاؤنا الله بيا فاستبعاد لأنفسنا واستقصار لها عن مظان الزلفى الموسومة للمقربين، وهضم لها وإقرار بالتفريط فى جنب الله، ومبالغة فى الدعاء وطلب الإجابة، وأى اسم جنس مبهم جعل وصلة لنداء ما فيه أل، لأن حرف النداء وأل متماثلان، ولا يجتمع تعريفان، وهى نكرة مقصودة، ولما كان اسم جنس مبهماً لزم بعده اسم جنس آخر مقرون بأل يزيل إبهامه، أو ما يجرى مجرى اسم الجنس نحو يا أيها الزيدون، ويا أيها ذا، ففى ذلك فائدة الإيضاح بعد الإبهام، وهو نوع تأكيد، وها للتنبيه جاء بها تعويضاً عما يستحق أى من المضاف إليه، والتنبيه تأكيد، فهذا تأكيد آخر، فذلك ثلاث توكيدات النداء بياء والتنبيه والإيضاح بعد الإيهام، ولا يقطع ما بعد أنها عن الضم إشعاراً بأنه المقصود بالنداء، والضمة فيه أو نائبها مناسبة للفظ أى وهو مقدر النصب بفتحة أو نائبها لا إعراب ولا بناء، لكن لما كانت حركة المنادى وحرفه النائب عنها كحركة الإعراب أو نائبها لحدوثها بحرف النداء اتبع فيه المنادى، وهذا أولى من أن يجعل ذلك فى تابع أيها إعراباً على نية أن المنادى نائب الفاعل تقدير الفعل النداء مبنياً للمفعول، كقولك فى الإنشاء يدعى الناس وللتوكيدات الثلاث فى ذلك كثر النداء بمثل ذلك فى القرآن فى كل أمر عظيم حقيق بالتفطن له والإقبال عليه، والأصل فى أل العموم فاذا لم يدل دليل على العهد أو غيره حملت على العموم أو الجنس، سواء دخلت على الجمع كالملائكة أو اسم الجمع كالناس أو المفرد كالإنسان، ولذلك صح الاستثناء منها والتوكيد بما يؤكد الجمع نحو

السابقالتالي
2 3 4 5 6