الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }

{ وإِذَا تَولَّى } انصرف عنك بعد إظهار المحبة وإلإنة القول، أو صار والياً لغلبته. { سَعَى فى الأرضِ } مشى فيها مشياً فيه بعض سرعة خفيفاً، أو ذلك عبارة عن الاجتهاد والتشمير فيما يذكره من الإفساد والإهلاك. { لِيُفسِدَ فِيها } بقطع الأرحام وسفك دماء المسلمين، وأكل الأموال بالباطل، وتزيين الشرك وغير ذلك من المعاصى، قال ابن جريح يدير الدوائر على الإسلام، وقال ابن عباس يقطع الطريق ويفسدها، وإذا صار والياً، أى مستولياً بالغلبة فعل ما تفعله أولياء السوء. { ويُهلكَ الحَرْثَ والنَّسل } الحيوان لأنها منسولة، أى مولودة، ولو كانت كباراً كما مر أنه مر بقول من المسلمين، فأحرق لهم زرعاً، وقيل حمرا. قال ابن جرير الطبرى المراد الأخنس فى إحراقه الزرع وقتله الحمر، وذكر أنه خرج إلى الطائف يطلب ديناً له كان غريم فلم يعطه، فأحرق له حرثاً وعقر له أتناً وهى إناث الحمر، وذكر أنه كان بينه وبين ثقيف خصومة فيتهم ليلا فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم، وبينه وبينهم رحم. ويجمع بين ذلك كله بما هو قول واحد، وهو أن الإهلاك كان ليلا، وأن صاحب الحرث والنسل كان مسلماً ثقيفياً رحما للأخنس غريماً له، وأن النسل إناث الحمر، وسأل رجل من بنى تميم ابن عباس عن قوله عز وجل { ويهلك الحرث والنسل } ، قال نسل كل دابة، ونسل كل حرث، بأنه يعمل بالظلم ظاهراً، ولا يمنع منه فيمنع الله سبحانه بشؤم ظلمه القطر، فيهلك الحرث والنسل، بمنع القطر، واستظهر بعض أن يكون إهلاك الحرث والنسل عبارة عن المبالغة فى الإفساد، وعطف يهلك على يفسد عطف خاص على عام، وقد تقدم لك قول إن الآية عامة فى كل متصف بالنفاق وتلك الصفات، والظاهر نزولها بسبب الأخنس خصوصاً ومعناها عام وقرأ يهلك بفتح الياء وضم الكاف، ورفع الحرث والنسل على الفاعلية، فالعطف على سعى وكذا يكون العطف على سعى فى قراءة الحسن، ويهلك بفتح الياء واللام، وضم الكاف رفع الحرث والنسل لغة من يقول هلك يهلك بفتح اللام فى الماضى والمضارع كأبى يأبى وفى قراءته الأخرى المروية عنه يهلك بالبناء للمفعول والرفع فيه وفى الحرث والنسل. { واللّهُ لا يُحبُّ الفَسَادَ } أى لا يرضاه ولا يبيحه، قال ابن عباس لا يرضى بالمعاصى فمن فعلها استوجب غضبه، وحب الله الشئ الرضا به مع الأمر به إن كان مما يتعبد الخلق بالأمر به، فقد يرضى شيئاً ويأمر به فلا يمتثله المكلف به خلاف إرادته، فإنها لا تتخلف، لأن فيها معى القضاء وقد يريد شيئاً ولا يحبه، فإن المعصية من العاصى قد أرادها بمعنى قضاها عليه وخلقها ولا يحبها، بمعنى لا يرضاها ولا يبيحها كالإنسان يريد الدواء ولا يحبه ممدوح من جميع جهاته معظم، ولا يستلزم الإرادة ذلك وإن شئت فقل محبة الله الشئ مدحه وتعظيمه فلا دليل للمعتزلة فى الآية على قولهم الحب والإرادة بمعنى واحد، ولو استدلوا بها ونسب قولهم إلى المتكلمين أيضاً، ولا يصح تفسير الحب فى الآية بالإرادة، لأن الفساد واقع وما أراد الله عام وقوعه لا يقع إلا أن يقال المعنى لا يريده من أهل الصلاح أو لا يريده ديناً.