الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ }

{ فَإذا قَضَيْتُم } أديتم. { مَنَاسِكَكُم فاذكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُم آبَاءَكُم }. المناسك أفعال الحج، وقال مجاهد إراقة الدماء، والأول أوضح كانت العرب إذا فرغوا من الحج خطب كل فريق بمحاسن آبائه وحدث بها، ويشتغِلون بذلك، ولا يكادون يذكرون سوى ذلك، يقفون بمنى بين المسجد والجبل، ويذكرون ذلك نثراً ونظما يذكرون جودهم وشجاعتهم وغير ذلك، يقول أحدهم كان أبى كبير الجفنة، رحب الفناء، يَقْرى الضيف، وكان كذا وكذا. وقيل يفعلون ذلك عند البيت، ويجمع بينهما بأنهم يفعلون ذلك فى الموضعين وذلك رياء وشهرة، وتسمع وترفع، فلما منَّ الله سبحانه عليهم بالإسلام أمرهم أن يذكروا الله ذكراً شبيها بذكرهم آباءهم فى الكثرة، هذا قول الجمهور، أى أكثروا ذكرى فأنا الذى أنعم عليكم وعلى آبائكم بذلك، وأنعم عليكم بالإسلام الذى هو أعظم من ذلك. وروى عطاء عن ابن عباس المعنى فاذكروا الله كذكركم آباءكم حين كنتم صغاراً، لأن الصبى حين يفصح بالكلام ينطق بأبيه وأمه، ولا يعرف غير الإكثار من ذكرهما، ويلتجئ إليهما ويستغيث بهما فليلتج المكلف إلى الله كذلك، ويستغيث به ويذكره. { أو أشدَّ ذِكراً } فتحة أشد نائبة عن الكسرة فهى جر، والعطف على ذكركم، أى أو كأشد ذكرا، فيقدر موصوف، أى وكذكرم أشد ذكرا فحينئذ يكون الذكر المقدر، قد أسند إليه أنه ذاكر، كما أن الإنسان ذاكر، وذلك أن تمييز اسم التفضيل فعل لموصوف اسم التفضيل، وذلك من إسناد صفة إلى شئ هو صاحب من هى له حقيقة، فهو مجاز عقلى، أو العطف على كاف ذكركم، ويقدر موصوف، والإسناد حقيقة، أى أو قوم أشد ذكراً منكم للآباء، فكأنهُ قيل، كذكركم آباءكم أو كذكر قوم أشد ذكرا، وفيه العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، والأكثر الإعادة، وقيل يكفى عن الإعادة الفصل كما فى العطف على الضمير المرفوع، ويجوز أن تكون فتحة أشد نصبا، والعطف على آبائكم أى أو كذكركم رجلا أسد ذكراً، أى رجلا من آبائكم ذكره يكون أكثر من ذكر غيره، على أن ذكراً مصدر من المبنى للمفعول، ويغلط كثير فى كون المصدر من المبنى للمفعول، وكونه من المبنى للفاعل، فيعد المصدر المضاف للمفعول بلا ذكر فاعل من المصادر المبنية من المبنى للمفعول، وليس كذلك، لأن الفاعل ملحوظ اللفظ حينئذ كما لحظ معناه، ويجوز أن يكون أشد حالا من ذكْرا بعّده، إذ لو تأخر لكان نعته وَذِكْرا معطوف على الكاف الأولى فى قوله { كذكركم } على أنها اسم، أى فاذكروا الله مثل ذكركم آباءكم، أو ذكراً أشد أى اذكروا الله ذكراً مثل ذكركم آباءكم، أو ذكراً أشد أو معطوف على المنعوت المحذوف، على أن الكاف حرف، أى اذكروا الله ذكراً ثابتاً كذكركم آباءكم، أو ذكراً أشد، ويجوز كون أشد خبراً لكون محذوف، أى كونوا أشدّ ذكراً لله منكم لآبائكم، وذلك لأن الله هو المنعم عليهم وعلى آبائهم، وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقيل له قد يأتى على الرجل اليوم ولا يذكر أباه فقال ليس كذلك، ولكن إن تغضب الله عز وجل إذا عصى أشد من غضبك لوالديك إذا شتم، وأو للشك باعتبار المخلوق، أى ذكرا يظن الإنسان أهو أكثر من ذكر الآباء أو ذكر الآباء أكثر، إذا اعتبر ما بينهما، ويجوز أن تكون بمعنى بل، وقيل بمعنى الواو، والمراد من الذكر حضور القلب، فينبغى أن يكون مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه فالتدبر فى الذكر مطلوب كما هو مطلوب فى القراءة لاشتراكهما المقصود، ولهذا أكان المذهب الصحيح المختار مد الذاكر لا إله إلا الله لما فيه من التدبر، قاله النووى، تلميذ ابن مالك الذى أشار إليه فى خلاصته بقوله

السابقالتالي
2 3