الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ ثُمّ أفِيضُوا } خطاب لسائر المسلمين. { مِنْ حَيثُ أفاضَ النَّاسُ } أى من موضع إفاضة الناس، وهو المشعر الحرام، أمرهم أن يفيضوا منه إلى منى فى طريق الأفاضة، كما أفاض الناس قبلكم آدم وإبراهيم وإسماعيل وأتباعهم. وهذا ما ظهر لى، فتكون ثم على أصلها من الترتيب فى الزمان بلا مهلة لاتصال الإفاضة بالوقوف فى المشعر الحرام، أى بمهلة باعتبار مبتدأ الوقوف فيه، أو باعتبار التهيؤ للرحيل منه، ومرادى بالوقوف فيه الحصول فيه للعبادة، ويجوز أن يكون الخطاب للمسلمين الذين أسلموا حادثاً، ومن لم يتعلم منهم أو خالف فى الإفاضة فيكون الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة المؤمنين ومن نحا نحوهم أو يكون الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيماً، أو لأنه إمام الناس أو الناس قريش ومن تبعهم، لأنهم كانوا يقفون فى المشعر الحرام لا فى عرفات، ثم يفيضون منه، ثم رأيت فى تفسير ابن جرير الطبرى كون الإفاضة من المشعر الحرام إلى منى كما ذكرت، والحمد لله، ورأيته أيضاً قولا فى تفسير القاضى، ومرادى به البيضاوى، حيث ذكرته، وهكذا حيث ذكرت أبا عبيدة فى أمر لغوى، فهو أبو عبيدة معمر بن المثنى، وكذا إذا ذكره المخالفون كابن هشام فى المغنى وغيره، ووهم الشمنى فى حواشيه على المغنى، وقال إنه أبو عبيدة الإباضى ومدحه بالعلم الغزير، والتورع، وهو صادق فى مدحه، وحيث ذكرت أبا عبيدة فى الحديث فهو الإباضى المذكور، شيخ الربيع وتلميذ جابر بن زيد - رحمهم الله ورزقنا الاقتداء بهم - وقال الجمهور المراد بالإفاضة الإفاضة من عرفات إلى المشعر الحرام والخطاب لقريش، والناس هم النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، أو الناس مطلقاً، أو إبراهيم وإسماعيل وآدم وأتباعهم، أو العرب، وذلك أن قريشا كانوا يقفون بالمشعر الحرام، ولا يقفون مع الناس بعرفات، فأمرهم الله عز وجل أن يقفوا بها مع الناس، بأن أمرهم بالإفاضة منها، لأن الإفاضة منها فرع الحصول فيها، فاللفظ أمر باللازم، والمراد أمر الملزوم وهو الوقوف فيها، وكانت قريش ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة، ويقولون أنحن أهل الله وقطان حرمه، فلا نخلف الحرم ولا نخرج منه، ويتعاظمون أن يقفوا مع الناس، ومعنى لا نخلف الحرم لا نتركه خلفنا، وذلك أن المزدلفة من الحرم، وعرفات خارجة عنه، وكانوا يفيضون من المزدلفة إلى منى، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منها كما هو سنة إبراهيم عليه السلام وغيره، وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها " أن قريشا كانوا هم ومن يدين بدينهم يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتى عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } "

السابقالتالي
2