الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

{ الحجُّ أشهرٌ مَعْلومَاتٌ } لا يخفى أن الحج ليس نفس الأشهر، فيتم الكلام بتقدير، أى الحج حج أشهر معلومات دون الحج فى غير تلك الأشهر، وقد كانوا يحرمون الحج فى غير أشهره ويقضونه فى أشهره، وكانوا أيضاً يحجون فى غير أشهره على مقتضى النسئ، فحذف المضاف آخراً، روى الربيع عن أبى عبيدة " لما أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يحج الوداع، وهى حجة التمام، فوقف بعرفات فقال " يا أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، فلا شهر ينسى ولا عدة تحصى، ألا وإن الحج فى ذى الحجة إلى يوم القيامة " ، أو الحج وقته أشهر معلومات أو حذف المضاف أولا وهو زمان، وناب عنه المصدر، كقولك صلاة العصر موعدنا، أى وقت العصر. قال ابن هشام إذا احتاج الكلام إلى حذف مضاف يمكن تقديره مع أول الجزأين، ومع ثانيها، فتقديره مع الثانى أولى نحو الحج أشهر، فكون التقدير الحج حج أشهر معلومات، أو من تقدير أشهر الحج أشهر معلومات، لأنك فى الوجه الأول قدرت عند الحاجة إلى التقدير، ولأن الحذف من آخر الجملة أولى. انتهى. وتقدم كلام فى قوله عز وجل { ولكنّ البرَّ منْ آمن باللهِ } وهن شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذى الحجة بيوم النحر، وعنهما شوال وذو القعدة كله، وبالرواية الأولى عن ابن عباس، يقول أبو حنيفة وقول الشافعى، وهو قول عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير والحسن وابن سيرين والشعبى والثورى، وأبو ثور، وبالراية الأولى، عن ابن عباس يقول ابن عمر وعروة بن الزبير، وعطاء وطاووس والنخعى وقتادة ومكحول والضحاك، والسدى وأحمد بن حنبل، وبالرواية الثانية عن ابن عباس يقول ابن عمر والزهرى، واحتج الشافعى بأن الحج يفوت بطلوع الفجر المنتشر الذى تحل به الصلاة من يوم النحر، والعبادات لا تفوت مع بقاء وقتها، وبأن الإحرام بالحج لا يجوز فيه، وحجة ابن عباس فى الرواية الأولى عنه أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر، وأن فيه طواف الإفاضة، وهو تمام أركان الحج وحجته فى الرواية الثانية عنه أن الله تعالى ذكر وقت الحج بصيغة الجمع وهو أشهر، وأقل الأشهر ثلاثة، وأن كل شهر أوله من أشهر الحج قد كان آخره كذلك، ومن قال ليلة النحر من أشهر الحج أجاز للإنسان أن يحرم فيها، ويقف بعرفات مقدار الباقيات الصالحات قبل طلوع فجر الصلاة، وأما تسمية يوم النحر وما بعده لآخر الشهر من أشهر الحج فباعتبار أنه يعمل فيها ما بقى من المناسك كالرمى والطواف والسعى، وإنما ذلك اختلاف فى تفسير أشهر الحج المذكورة فى الآية، فبعض فسرها بما يصح فيه الإحرام بالحج والوقوف، وبعض فسرها بذلك مع ما يعمل فيه ما بقى من المناسك، وإن قلت من قال ذو الحجة كله، فلا إشكال عليه، أما القائلون ببعضه فكيف يسمى وقت الحج أشهراً مع أنه لم يتم ثلاثة أشهر؟ قلت الذى عندى أنه لا إشكال، لأن المعنى أن الحج يعمل فى ثلاثة أشهر، لأنه إذا كان يعمل فيه بعض ذى الحجة صح أن يقال أنه عمل فى ذى الحجة، كما تقول عملت كذا فى شهر كذا، وإنما عملته فى ستة منه، ولا سيما أن ذا الحجة كله يعمل فيه باقى الحج، وأما إن يقال أطلق بعض الجمع على ما فوق الواحد مجازا أو حقيقة، فلا يصح هنا عندى لأنه ليس المراد هنا شهرين فقط، فلو قلنا بذلك لتعطلت البقية، بل لو قيل إن أشهر جمع شهر الحقيق وشهر المجاز بعلاقة البعضية أو الكلية أو علاقتهما لكان أولى من هذا الذى ذكرت أنه لا يصح، ولو كان جمع اللفظ الحقيقى والمجازى فى صيغة واحدة مرجوحاً مختلفاً فيه، وتجوز العمرة عندنا فى باقى السنة، وكره مالك العمرة فى باقى ذى الحجة، زاعماً أن وقت الحج ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقاً، وكذلك قيل عن عمر وابن عمر وعروة أن العمرة غير مستحبة فى باقى ذى الحجة، فكأنه مخصص للحج وكان شهر حج لا غير، وكان عمر فيما قيل يصرب الناس بالدرة على العمرة فى باقيه وينهاهم، وقال ابن عمر لرجل إن أطعتنى انتظرت حتى إذا أهللت المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة، وقالوا لعل مذهب عروة جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر، وكره أبو حنيفة الإحرام بالحج قبل شوال وأمضاه إن وقع، زاعماً أن المراد بوقته وقت أعماله ومناسكه، فأجاز الإحرام به قبل شوال دون أعماله ولا معارضة بين هذه الآية وقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8