الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }

{ واقْتلُوهُم حيْثُ ثَقِفْتُموهم } حيث وجدتموهم فى حل أو حرام بدءوكم بالقتال أم لم يبدءوكم، وتقدم أنه قيل إن هذا ناسخ لقصر القتال على من بدأ. وعن ابن اسحاق وغيره نزلت الآية هذه فى شأن عمرو الحضرمى وواقد، وذلك فى سرية عبد الله بن جحش، وأصل الثقف المهاروة فى علم شئ أو عمله، فهو متضمن لمعنى الغلبة. قال الشاعر
فإما تقتلونى فاقتلونى ومن أثقف فليس له خلود   
أى فان تغلبونى فاقتلونى، ومن أغلب فليس راجعاً إلى خلود، وليس له سبيل إلى خلود، ويجوز أن يريد فإن تجدونى فاقتلونى، ومن أجد فليس إلى خلود. { وأخُرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أخْرَجُوكُمْ } أخرجوُهم من مواضع إخراجهم إياكم وهو مكة، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمن لم يسلم. { والفِتْنَةُ } البلية التى تصيب الإنسان كالإخراج من الوطن وإنزاله عن رتبة كان فيها بلا موجب، وبهته ونحو ذلك مما يدوم به تعبهْ، وتتألم به النفس تألماً مستمراً. { أشدُّ مِنَ القَتْلِ } لأنه دفعه يتطاول كذلك، وكم فتنة يتمنى الموت عندها. قال الشاعر
لقتل بحد السيف أهون موقفا على النفس من قتل بحد فراق   
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن حوميز
وما وجد مغلول بصنعاء موثق بساقيه من ماء الحديد كبول قليل الموالى مسلم بجزيرة له بعد نومات العيون الليل يقول له الحداد أنت معذب غداة غد أو مسلم فقتيل بأكبر منى لوعة يوم راعنى فراق حبيب ما إليه سبيل   
وقال الشاعر
وما أم خشف طول يوم وليلة ببلقعة بيداء ظمياء صاديا تهيم ولا تدرى إلى أين تبتغى مولهة حزنا تجوز الفيافيا أضر بها حر الهجير فلم تجد لغلتها من بارد الماء شافيا إذا بعدت عن خشفها انقطعت به فألفته ملهوف الجوانح طاويا بأوجع منى يوم شدوا حمولهم ونادى منادى البين ألا تلاقيا   
وقال البغدادى
قالت وقد نالها للبين أوجعه والبين صعب على الأحباب موقعه اجعل يديك على قلبى فقد ضعفت قواه عن حمل ما فيه وأضلعه واعطف على المطايا ساعة فعسى من شت شمل الهوى بالبين يجمعه كأننى يوم ولت حسرة وأسى غريق بحر يرى الشط ويمنعه   
وقيل الفتنة فتنة الدين وهى الشرك والكبائر فى إصرارى شركهم وكبائرهم أعظم من قتلكم إياهم فى الحرم والإحرام والشهر الحرام الذى استعظمتم. فشركهم وكبائرهم استحلت قتلهم فى ذلك الزمان وذلك الموضع وتلك الحال وقيل صدهم إياكم عن الحرم وشركهم أشد من قتلكم إياهم فيه كذلك، وقيل الفتنة التى حملوكم عليها وهى الرجوع إلى الشرك أشد من القتل لكم، لأن قتل المؤمن تعذيب مرة يفضى به إلى الجنة، والشرك الدائم العذاب، وأيضاً فقتلكم إياهم هين بالنسبة إلى ما أرادوه منكم من الرجوع إلى الشرك.

السابقالتالي
2