الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ يَسْأَلُونَك } يا محمد. { عَن الأهِلَّة } جمع هلال وهو القمر أول حاله إلى ثلاث ليال وقيل أول ليلة، بأل معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصارى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بال الهلال يبدو دقيقاً كالخيط ثم يزيد حتى يمتلئ نوراً ثم لا يزال ينقص حتى يعود دقيقاً كما بدأ، ولا يكون على حالة واحدة؟ يعنيان كما تكون الشمس على حالة واحدة، ثم رأيت التصريح بهذا فى كلام ابن عباس وغيره. نزلت الآية على سؤال قوم النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الهلال، وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس، والحمد لله والله أعلم. وذلك سؤال استفادة لا سؤال تعنت، وذكر بعض السلف أن قوماً من الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم خلقت هذه الأهلة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. ويجمع بينه وبين ما مر عن معاذ بأنهم سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن ذات الهلال وعن حاله فى الزيادة أو النقص، كما اجتمع ذلك كله فى الرواية السابقة عن ابن عباس. { قُلُ } لَهُم. { هى مَوَاقِيتُ للنَّاسِ والْحَجّ } أى حدود للناس فى أمورهم، وللحج، وهذا جواب على غير ما سألوه فيما قيل، لأنهم سألوه عن سبب زيادة الأهلة ونقصها، فالجواب المطابق أن يقال ذلك لبعد القمر عن الشمس وقربه منها، ولكن أجيبوا بأنها مواقيت للناس والحج، إيذان لهم بأن الأولى أن يسألوا عن أمور دينهم، وما لا بد لهم منه من أمر معاشهم، والحج. وقد مر أنهم سألوا عن الأهلة لم خلقت. فعليه يكون هذا جواباً مطابقاً للسؤال، أى خلقت لتكون مواقيت للناس والحج، وتقدم الجمع بأنهم سألوا عن ذلك كله، وعليه فيكون هذا جواباً مطابقاً لما كان مهمّاً من السؤال ملقياً ما لم يكن مهمّاً إيذاناً بأن الأولى ألا يسألوا عما ليس مهما، فهو جواب عن بعض السؤال، وهو قولهم لم خلقت دون البعض الآخر؟ وهو قولهم لم تزيد وتنقص؟ هذا ما ظهر لى فى تقرير المقام، ثم تلمحت أنه يجوز هذا جواباً أيضاً للسؤال عن الزيادة والنقص، لكن بطريق غير القرب من الشمس والبعد، بل بطريق أنها تزيد وتنقص، ليكون تمام زيادتها ونقصها مدة تسمى شهرا، يكون ميقاتا للناس والحج والله أعلم. فالمواقيت للناس مواقيت زكاتهم وصومهم الواجب والمسنون والنفل والعيدين والشهور المعظمة والأيام المعظمة كيوم عاشوراء، ورمضان وليلة القدر. ومحال ديونهم وأجرتهم وزرعهم وأكريتهم، وعدات النساء وحيضهن وطهرهن وحملهن، والحج وأيامه وأشهره، وغير ذلك من مصالح دينهم ودنياهم. وخص الحج بالذكر مع أنه يعلم مما قبله، لأن الوقت مراعى فيه أداء وقضاء، فمن لزمه الحج لاستطاعته أو لوجه ما من الوجوه لم يصح له إلا فى أشهره ووقته، ومن لزمه ودخل فيه ففسد عنه، فإنما يقضيه فى أشهر الحج ووقته لا فى أى وقت شاء، ولأن العرب كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور بالنسئ، فأبطل الله جل وعلا ذلك.

السابقالتالي
2 3 4