الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }

{ كُتِبَ } فرض. { عليكم إذا حضر أحدَكُم الموتُ } أى حضرته أسباب الموت ودلائله من الأمراض المخوفة والعلل المهلكة، وليس المراد معانيه الموت لأنهُ يعجز فى ذلك الوقت عن الإيصاء، وإنما قال كتب ولم يقل كتبت بتاء التأنيث مع أن نائب الفاعل مؤنث، وهو قوله { الوصية } لأنهُ ظاهر مجازى التأنيث، فجاز تذكير فعله كما تقول طلع الشمس وطلعت الشمس، وحسن ذلك أن الوصية مؤولة بالإيصاء، كما يدل عليه رد الضمير إليها مذكراً فى قوله { فمن بدله } على أحد أوجه تأتى إن شاء الله، وحسنه أيضا الفصل بين كتب والوصية، والفصل يسيغ التذكير ولو كان التأنيث حقيقاً، وجواب إذا محذوف دل عليهِ كتب ولا يشكل على ذلك أن الكتابة أزلية لا متقيدة بزمان حضور الموت، لأنا نقول كما فرض الله جل وعلا ذلك فى الأزل فرضه وقت حضوره، فهذا إيجاب آخر مطابق للأزلى، وإن شئت فقل عبر بالفرض الأزلى وأراد لازمه ومسببه وهما الوجوب، ولكن هذا يشكل عليه أن الوجوب أزلى أيضاً، يحتاج إلى الجواب بأنه إيجاب آخر مطابق للأزلى، فالوجه الأول أولى، وأما جواب أن فمحذوف أيضاً مدلول عليهِ بإذا وشرطها وجوابها المقدر، أى إن ترك خيراً فإذا حضره الموت كتبت عليهِ أعنى الوصية، لأنها فى نية التقديم على إذا وإن. وإن قلت كيف تقول ذلك وترك الخير بعد حضور الموت وبعد الموت؟ قلت المعنى أنه قرب ترك الخير وشارفه وهو وقت أوسع من وقت حضور الموت شامل له، ويجوز أن يكون نائب الفاعل هو قوله عليكم فوجب ألا يقرن الفعل بالفاء، فحينئذ يكون الكلام فى جواب إذا وإن كما مر. والوصية نائب لمحذوف جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ما المكتوب أو ما كتب على أحدنا إذا حضره الموت؟ فقال كتبت الوصية أو خبر لمحذوف كذلك كأنه قيل ما المكتوب عليه؟ فقيل الوصية، أى المكتوب الوصية، ويضعف أن يقال الوصية متبدأ و للوالدين خبر، والجملة جواب إن حذفت منه الفاء، لأن حذفها قليل مع غير القول، وإنما يكثر فى الضرورة كقول حسان
من يفعل الحسنات لله يشكرها   
مع أنهُ روى من يفعل الخير فالرحمن يشكره، وجعل جواب إن كما مر، والوصية للوالدين مبتدأ وخبر استئناف للبيان أولى من ادعاء حذف الفاء، والأولى غير هذين الوجهين، فيعلق للوالدين بالوصية أو بكتب وإن خرجت إذا عن الشرط تعلقت بكتب ولم يقدر لها جواب، وكان دليل جواب إن هو قوله { كتب }.. إلخ. { إن تَركَ خيراً } أى مالاً كثيراً، روى أن علياً كان له بعد أعتقه وأرد أن يوصى وله سبعمائة درهم فمنعه وقال قال الله تعالى { إن ترك خيراً } ، والخير هو المال الكثير، وأراد رجل أن يوصى فسألته عائشة كم مالك؟ فقال ثلاثة آلاف يعنى ثلاثة آلاف درهم.

السابقالتالي
2 3 4 5