الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ يَأيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا كُتبَ عَليْكُم القِصاصُ فى القَتلَى } فرض عليكم القصاص، وقرأ بعضهم فى جمع القرآن كتب بالبناء للفاعل وهو الله سبحانه وتعالى، ونصب معا بعده فيقرأ بفتح الكاف والتاء، ونصب القصاص، ويقرأ كتب عليكم الصيام كما كتب بفتحهما، أى كما كتبه وهكذا والقصاص المماثلة، يقال فلان يقص الأثر أى يتبعه، فكأنه برؤيته يحدث آخر مثله، وأيضا قد ماثله بخطواته إذا كانت إلى جهة الأثر الأول، وقص الحديث ذكره مثل ما ذكر أولا، فالمقتول يحجر يقتل بحجر، والمقتول بعصى يقتل يعصى، وهكذا. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم " المرء مقتول بما قتلِ به، إن سيفا فسيف وإن خنجراً فخنجر " فقيل على عمومه وقيل إلا النار والسم فلا يقتل بهما قاتل بهما، بل بالسيف وقتله بما قتل بهِ على العموم، أو التخصيص، قولنا وقول الشافعى ومالك ورواية عن أحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة من قتل بغير السيف قتل بالسيف، وهو رواية عن أحمد، والأول أوضح وأكمل فى الإنصاف والمماثلة التى هى القصاص، ووجه القول الثانى أن أصل القتل بالسيف، لأنهُ المعد للقتل وقطع الأعناق التى لا حياة بعدها، وأنهُ مأخوذ من ساقه بمعنى أهلكه، وإن القاتل سلك طريق القتل فسلكها كما سلكها القاتل، والحديث المذكور خص فى الأول فهو راجح به قطعا، والآية نص فى أن الواجب على القاتل القصاص، وأما الدية فهى بدل عنهُ، وبهِ قال أبو حنيفة والشافعى فى أوضح قوليه، ولو عفا ولم يسمها فلا شئ، وقيل كلاهما واجب على التخيير والواجب على التخيير يصدق عليه أنه واجب، ولذلك قيل التخيير بين الواجب وغيره وليس نسخا لوجوبه، ومعنى الوجوب أنه إذا أراد الولى القتل لم يمنع منه ولزم القاتل الانقياد له، وإن أراد الدية لم يمنع منها بل لزم القتال أداءها، وإن شاء الولى ترك القتل والدية معا، والقول بوجوبهما قول آخر للشافعى، واحتج أبو حنيفة بالآية إذا قال كتب ثم ترتب الدية على العفو فدل الترتيب على أنها إنما نحب بالعفو عن القتل فى القتل العمد، فعلم أن القتل العمد يوجب القصاص فقط، فبطل الاستدلال بأن الواجب على التخيير يصدق عليه أنه واجب، فالقتل على قول أبى حنيفة مقتضى العمد وعلى القول الآخر هو أحد مقتضيه ومقتضاه الثانى هو الدية، وإلا لما رتب الأمر بأدائها على مطلق العفو، وتقدم آنفا بطلان استدلاله والقتلى جمع قتيل وألفه للتأنيث. { الحُرّ بالحرِّ والعبْدُ بالعبْدِ والأنثَى بالأُنثَى } أى الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد، والأنثى تقتل بالأنثى، فالخبر محذوف جواز ألأنه كون خاص. قال ابن هشام ومما يخرج على التعليق بالكون الخاص قوله تعالى { الحر بالحرّ والعبدُ بالعبدِ والأنثَى بالأنثَى } التقدير مقتول أو يقتل لا كائن اللهم إلا أن يقدر مع ذلك مضافان، أى قتل الحر كائن بقتل الحر، وفيه تكليف تقدير ثلاثة الكون، والمضافان بل تقدير خمسة لأن كلا من المصدرين لا بد له من فاعل، ومما يبعد ذلك أيضاً أنك لا تقدم معنى المضاف الذى تقدره مع المبتدأ إلا بعد تمام الكلام، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7