الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ لَيسَ البِرَّ أن تُولُّوا وجُوهَكُم قِبَلَ المشْرِقِ والمغْرِب } إلى أن قال { والكِتابِ والنَّبِيين } إلى آخره فصوب المؤمنين فى الصلاة إلى الكعبة، فإن الكتاب هو القرآن أو الجنس، فمن آمن بالقرآن أو بالكتب كلها صلى إلى الكعبة، لأن غيرها منسوخ بها فى القرآن، ومن آمن بالنبيين كلهم صلى إليها، لأن سيدنا محمداً، صلى الله عليه وسلم، أمر بالصلاة إليها. وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان الرجل فى ابتداء الإسلام إذا أتى بالشهادتين وصلى إلى أى جهة ثم مات على ذلك وجبت له الجنة، فلما هاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونزلت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، نزلت الآية. وفى قوله أيضاً الرد على اليهود والنصارى، بأن استقبالهم للصخرة والمشرق منسوخ ليس برّاً، وإنما البر فى استقبال الكعبة، وهو الذى بينه الله واتبعه المؤمنون، وذلك أنه لما نزل أمر الكعبة أكثر فيه اليهود والنصارى الخوض، وقيل الخطاب لليهود والنصارى والمؤمنين، أى ليس البر فى أمر الاستقبال فقط، ويحتمل أن يراد البر العظيم الأعظم الذى يحسن أن تذهلوا بشأنه من غيره، هو أمر القبلة، فإن الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين أهم منه، وقيل عن ابن عباس إن الخطاب للمؤمنين، وإن المراد بتولية الوجوه قبل المشرق والمغرب نفس الصلاة لا نفس الاستقبال، وقيل المعنى ليس البر أن تكونوا نصارى فتصلوا إلى المشرق، ولا يهودا فتصلوا إلى المغرب. وقال مجاهد إن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر فنزلت الآية، فدعاه فتلاها عليه، ثم سأله فأعادها، ثم سأله فأعادها، فقال إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك، وقرأ ابن مسعود بأن تولوا بزيادة الباء فى خبر ليس للتأكيد، وقرأ حمزة وحفص بنصب البر على أنه خبر ليس مقدم على اسمها، وفى قراءتهما رد على ابن درستويه، إذ منع توسيط خبر ليس، قال ابن هشام وتوسيط أخبار كان وأخواتها جائز خلافا لابن درستويه فى ليس، قرأ حمزة وحفص { ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم } بنصب البر انتهى بتصرف. وإن قلت أى القراءتين قوى؟ قلت يدل كلام ابن هشام أن قراءتهما أقوى، لأن فى رفع البر الإخبار بما هو بمنزلة الضمير عما دونه فى التعريف. قال واعلم أنهم حكموا لأن وأن المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير، ولذا قرأ السبعة { وما كان حجتهم إلا أن قالوا } بالنصب والرفع ضعيف انتهى. { ولكنَّ البرَّ مَنْ آمنَ باللهِ } بتخفيف نون لكن، وكسرها لالتقاء الساكنين، أى لكن البر من آمن بالله لاستقبال ما نسخ استقباله، أو لكن البر الأعظم من آمن بالله، والبر معنى لا ذات، فإن البر هو الفعل المرضى سواء كان طاعة الله لا إحسان فى ظاهرها إلى الخلق، ولو كان فيها ضر عليهم كالجلد والرجم والقطع والحدود، أو طاعة له فيها إحسان للخلق كإنفاق المال لوجه الله، ويطلق فى اللغة أيضا على الإحسان للخلق ولو بلا نية تقرب إلى الله، وليس هذا مرادا هنا فيقدر مضاف ليكون الإخبار بذات عن ذات، أو بمعنى عن معنى، تقديره لكن ذو البر من آمن، ويدل لهذا التقدير قراءة بعضهم، ولكن الكبار من آمن بالله بالألف بعد الباء، والحذف على هذا كان أولا وفيه إخبار عن ذات بذات، أو تقديره ولكن البر من آمن بالله، وهذا فى إخبار بمعنى عن معنى، والحذف كان آخر، وهذا أولى لأنه وارد عن قوله { لَيس البرَّ أنْ تُولّوا وُجُوهَكم } إلخ الذى هو نفى كون البر تولية الوجه، فليكن هذا الوارد المستدرك عليه الذى هو قوله { ولكنَّ البرَّ من آمَن بالله } من جنس ذلك المنفى، ولو قال ليس البار من يولى وجهه قبل المشرق والمغرب لكان تقدير ولكن ذو البر من آمن بالله أولى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7