الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }

{ ومِنَ النَّاس } أراد الناس إجمالا المشركين والمؤمنين، ومن للتبعيض، والبعض المتخذ أندادا مشركون لا مؤمنون، ويجوز أن يريد الناس المشركين لأن بعض المشركين لا يتخذ أندادا، وإشراكه إنما هو من جهة إنكار الله سبحانه أو نبى أو كتاب. { مَنْ يَتَّخذُ منْ دُون اللهِ أنْداداً } أى أصناماً يسمونها أندادا، لأنها تعادل الله عز وجل سبحانه وتعالى فى زعمهم الباطل، وأسماها الله بذلك باعتبار اعتقادهم فيها، لأنها تفعل لهم أشياء كما يفعل الله، ويترك الله بها بعض ما أراد بهم. والند المثل المقاوم والمنازع، وقيل أندادا رؤساء من رجالهم يطيعونهم، فى معصية الله عز وجل، وسماهم أندادا باعتبار مقتضى اتباعهم، وترك ما أمر الله عز وعلا، كأنهم أمثال لله مقاومون له قادرون قدرته، حتى أساغوا لأنفسهم طاعتهم ومعصية الله، أو باعتبار هؤلاء الرؤساء فى الأمر بمعصية الله ورضاهم بها، كأنهم مقاومون له تعالى، ويحتمل عندى وجه آخر هو أن الله جل وعلا شنع عليهم فى اتخاذهم أنداداً من جنسهم، كما شنع عليهم فى اتخاذ الأصنام مما هم خير منهم، ويدل لهذا الاحتمال والقول قبله قوله تعالىإذ تبرَّأ الذين اتَّبعُوا من الذين اتُّبعوا } وبقوله يحبُّونهم بضمير العقلاء الذى هو هم، الذى أصله أن يكون للعاقل تحقيقاً لا للعاقل تنزيلا، ويجوز أن يراد بالأنداد الأصنام والرؤساء معاً وما يشغل عن عبادة الله عز وجل. قال مجاهد الأنداد الأوثان، وهو مثل تفسيرى له بالأصنام. { يحبُّونَهم } الواو ضمير من باعتبار معناه، وقد اعتبر لفظه فى قوله يتخذ والهاء للأنداد وهم عقلاء لأنهم الرؤساء، أو لهم وللأنداد تغليباً أو تنزيلا للأنداد من الأصنام منزلة العقلاء، أو للأنداد وتنزيلا كذلك، والحب ميل القلب إلى الشئ ومناسبته والرغبة فيه، وهو نقيض البغض، وسمى بذلك حبّاً بضم الحاء أخذا من لفظ الحَبة بفتح الحاء، وهى نفس القلب، لأن الحب بالضم ميل القلب أو أخذاً من حبة القلب وهو الجزء الذى هو أدخل وأدق فيه، لأن الحب أصابه ورسخ فيه، ويحتمل أن يكون الحب بمعنى التعظيم والطاعة، وساغ ذلك لأن الحب سبب للطاعة والتعظيم فى الجملة. { كَحبِّ الله } أى كحب المؤمنين الله، فالحب مصدر مضاف لما هو مفعول اصطلاحاً وهو لفظ الجلالة بعد حذف الفاعل، وهو المؤمنون، ووجه الشبه الاجتماع فى الحب، أحب المشركون الأنداد كما أحب المؤمنون الله، جل وعلا، لا المساواة فى الحب، فإن المؤمنين أشد حبا لله، والدليل على فاعل المصدر الذى هو المؤمنون أن الحب الحقيق المتبادر هو حب المؤمن به المطيع له إياه، لا حب الكافر فلا لبس، وكذا إن قلنا إن الحب مصدر للمبنى للمفعول، لأن الفاعل أيضاً هو المؤمنون، ويجوز أن يراد كحب هؤلاء المشركين الله، فحذف فاعل المصدر وهو المشركون، أو المصدر من المبنى للمفعول والفاعل هو المشركون كذلك، ووجه ذلك أن المشركين لا يخلون من حب الله حبا ما لأنهم يقرون بوجوده ورزقه، كأنهم يحبونهُ ويتقربون إليه بالأنداد، فيجمعون فى قلوبهم حب الله وحب الأنداد ولو تفاوتا عندهم، أو يسوون بينه وبينها فى الحب حتى إذا اضطروا أخلصوا لله تعالى، كما قال الله تبارك وتعالى

السابقالتالي
2 3 4