الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى } بقوا على الضلالة وأعرضوا عن الهدى بعد ما جاءهم، وأمروا به شبه بقائهم عليها، وإعراضهم عنه بشراء شىء ردىء بشىء كريم، بجامع التمسك بردىء وترك كريم، ففى اشترى استعارة تبعية تصريحية تحقيقية، والمعنى اختاروا الضلالة واستحبوها على الهدى الذى فطر الله الناس عليه، وللفطر عليه وتمكنهم منه صار كأنه بأيديهم، فساغ إطلاق استبداله، وأصل الاشتراء بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأعيان أو من الانتفاع بها، فإن كان أحد العوضين ديناراً أو درهما تعين أن يكون ثمناً من حيث إنه لا يطلب لعينه وبذله اشتراء، وإلا فأى العوضين تصورته بصورة الثمن، فباذله مشتر وآخذه بائع، ولذلك يستعمل اشترى بمعنى باع وباع بمعنى اشترى، وإذا صورت إحدهما بصورة الثمن فهو الذى تدخل عليه الباء، فإدخال الباء فرع التصور ثمناً فيعرف فى كلام غيرك بالباء فلا إشكال فى قولنا فأى العوضين.. إلخ، ولا يرجح عليه قولك الثمن ما دخلت عليه الباء ولو ادعى ذلك زكريا، واستعير الاشتراء للإعراض عما فى يدك محصلا به غيره معنى أو عيناً كقوله
أخذت بالجمة رأساً أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا وبالطويل العمر عمرا حيدرا كما اشترى المسلم إذا تنصرا   
أى كما اشترى المسلم، وهو جبلة ملك غسان، الكفر بالإسلام حين تنصر، والجمة، بضم الجيم، مجتمع شعر الرأس والداء للبدن، والأزعر الأصلع، والدردر بضم الدالين المهملين منبت الأسنان بعد سقوطها، وقال الجوهرى مغارز أسنان الصبى، والعمر بدل من الطويل أو بيانه، والحيدر القصير ثم اتسع فاستعمل للرغبة عن الشىء طمعاً فى غيره، وكقول الله عز وجل فيما يعيب به بنى إسرائيل تفقهون لغير الدين، وتعلمون لغير العمل، وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة، والضلالة الميل عن القصد وفقد الاهتداء، وتخصيصه شرعاً بالميل عن دين الله حقيقة شرعية ومجازاً استعاريا لغويا، وقوله عز وجل { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى } إلى قوله { بالكافرين } لحيرة العدو وضلاله والتباسه أمره عليه إلى أن يؤول ذلك إلى دماره، تكتب فى خرقة من قميصه الذى عرق فيه، وتكتب فيه اسمه واسم أمه سبع مرات، ثم يدفن ذلك فى عتبة داره فى كوز فخار جديد، وإن فعل ذلك لمن لا يحل أن يفعل له شرعاً رجع الضر عليه. { فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ } ذكر الربح والتجارة ترشيح الاستعارة المذكورة فى اشتروا، لأنهما ملائمان للمشبه به، فإن الربح إنما ينفى عما من شأنه أن يقع فيه، ولم يقع وهو الشراء الحقيقى، والتجارة طلب الربح بالبيع والشراء قاله القاضى، وأولى منه أن يقال هو الصرف بالبيع والشراء للربح، والربح الفضل على رأس المال، وكل ذلك ملائم للمشبه به، ولكون الربح الفضل على رأس المال، سمى بالشف يقال لهذا على هذا شف أى فضل، وأشفه فضله، ويستعمل أيضاً فى النقص، ونفى ربح تجارتهم تمثيل لخسارتهم وتصوير لحقيقتها.

السابقالتالي
2 3