الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

{ ومِنْ حَيْث خَرجْت فَولِّ وجْهَك شَطْر المَسْجِد الحَرَام وحَيْث ما كُنْتُم فَولُّوا وجوهَكُم شَطْره } ذكر الأمر بتولية الوجه شطر المسجد الحرام أربع مرات تأكيداً لعظم شأن القبلة، ولأن النسخ من مظان الفتن والشبهة، ولا سيما أنه أول نسخ ظاهر بعد العمل به بين المؤمنين والكفار، فكان حقيقا بالتكرير، وأيضاً ذكره فى قولهفَلَنُولِّينك قِبلَةً تَرْضَاها فولِّ وجْهَك شَطْر المسْجِد الحَرَام } مقروناً بعلته وهى تعظيمه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بابتغاء مرضاته، ومقرونا مع قوله { وحيث ما كنتم.. } إلخ بفائدة هى أن أهل الكتاب يعلمون أن أمر محمد وأمر القبلة حق فى التوراة والإنجيل، وذكره فى قوله { وحَيثُ ما كُنتم فَولُّوا وجُوهَكُم شَطْره } تصريحاً بأن حكم أمته حكمه، ولينبه بعده أن لكل أمة قبلة تبعا لداعيها، وهو نبينا بقوله { ولكل وجهة } وذكره فى قوله { ومنْ حَيْث خَرَجْتَ فَولِّ وجْهك شَطر المسجد الحَرَام } لينبه على تساوى السفر وغيره فى أمر القبلة بحسب الإمكان، وليقرنه بشهادة الله أنه حق، وشهادته مغايرة لشهادة أهل الكتاب، وذكره فى قوله { ومِنْ حَيْث خَرَجْت فَولِّ وجْهَك شَطْر المسْجِد الحَرَام وحَيْث ما كُنْتُم فَوَلُّوا وجُوهَكم شَطْره } ، لينبه على أن حكم أمته فى السفر حكمه كالحضر، وأن المراد وحيث ما كنتم من السفر وغيره من الخروج، وليقرنه بدفع حجج الكفار بقوله { لئِلاَّ يَكُونَ للناس } اليهود والنصارى والمنافقين، أو جميعهم مع مشركى العرب، أو قريش واليهود، وقال الحسن مشركى العرب، وقال مجاهد مشركى قريش. { عَلَيْكم } أيها المؤمنون. { حجة } فقرن كل مرة بعلتها كقرن المدلول بكل واحد من دلائله، للتأكد كما هو شأن ما أريد تقريره وتقريبه للأفهام والقبول، وزعم بعضهم أن قوله { فَولِّ وجْهَك شَطْر المسْجِد الحَرَام وحَيْث ما كُنْتم فَولُّوا وجُوهَكُم شَطرَه } إشارة إلى حال كون الإنسان فى المسجد الحرام، وقوله { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرَام } إشارة إلى حال كون الإنسان فى البلد، وقوله { ومِنْ حَيثُ خرجت فَولِّ وجهَك شَطْر المسْجِد الحَرام وحَيْث ما كُنْتم فَولُّوا وجُوهكم شَطْره } ، إشارة إلى حال كون الإنسان خارجاً عن البلد، والحجة المنفية فى قولهِ { لئلاَّ يَكونَ للنَّاس عَليْكم حُجةٌ } يقول إن اليهود والمنافقين تبع لهم، والنصارى المنعوت فى التوراة والإنجيل قبلته الكعبة، فلو لم يستقبلها لقالوا ليس المذكور فى التوراة والإنجيل، لأن المذكور فيهما يستقبلها بعد أن يستقبل بيت المقدس، وأن يقول اليهود إن محمداً يجحد ديننا ويتبع قبلتنا، فيأمر باستقبال الكعبة لئلا يقولوا ذلك، وأن يقول المشركون من العرب إنه لو كان نبيا لم يخالف قبلة أبيه إبراهيم، وهى قبلة العرب قبلة حق. { إلاَّ الَّذينَ ظَلمُوا مِنْهم } استثناء من الناس، أى إلا الذين ازداد ظلمهم للمبالغة فى العناد، لأن الناس المذكورين ظالمون، فإن الذين ازداد ظلمهم لا تنتفى الحجة عليهم بذلك بالنظر إلى عنادهم، فيقول اليهود والنصارى والمنافقون انصرف عن بيت المقدس إلى الكعبة برأيه، واشتياقاً لبلده، وسيرجع إلى دين آبائه، وتقول قريش، انصرف لقبلة بلده اشتياقاً لبلده، وعلما بأن ديننا حق فسيرجع إليه كما رجع لقبلتنا، فهذه حجة هؤلاء المستثنين، وسماها حجة من حيث إن المراد لا الذين ظلموا فلهم حجة، لأنهم يسوقونها مساق الحجة كقوله

السابقالتالي
2 3