الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

{ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وجْهِك فى السّماء فلنولِّينّك قِبلةً ترضاها فولِّ وجْهك شَطْر المسْجِدَ الحرام... } إلخ وقيل كان يقول ذلك لجبريل، وإذا قام إلى الصلاة رفع طرفه نحو السماء ينظر الأمر من عند الله، فنزلت الأية، وهذه الآية متأخرة فى التلاوة متقدمة فى النزول، لأنها أول ما نسخ الاستقبال إلى بيت المقدس، وقيل كان صلى الله عليه وسلم يحب التوجه إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وأقدم من بيت المقدس، وأدعى للعرب إلى الإيمان، إذ لا قبلة أحب إليهم منها، ولا يستقبلون سواها إلا من تنصر منهم، وليخالف اليهود الأراجس القائلين ما بال محمد يخالف ديننا ويستقبل قبلتنا؟ ووقع فى قلبه أن سيحوله الله الرءوف الرحيم إلى الكعبة لتلك العلل، وكان يردد وجهه فى جهة السماء طمعاً فى الوحى بذلك واشتياقاً، فنزل قوله عز وعلا { قد نَرَى تَقلُّب وجْهكَ فى السَّماء.. } الآية وذلك منه أدب كامل حيث اقتصر على الانتظار، ولم يسأل، وقيل سبب نزول الآية أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يستقبل بيت المقدس يتآلف بذلك اليهود، وقيل إن الله تعالى أمره بذلك ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم، مع ما يجدون من وصفه فى التوراة، فصلى إلى بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر شهراً، وقيل سبعة عشر شهراً، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. قاله ابن عباس. وقال الربيع والسدى أحب التوجه إليها ليؤلف العرب لمحبتهم للكعبة، والأولى جمع ذلك كله كما مر، ومعنى تقلب الوجه فى السماء تقلب بصره فى جهة السماء أو إلى جهة السماء، والوجه يتقلب إلى الشئ يتقلب البصر إليه، والتقلب التصرف والتردد، ووجهة تقلب وجهه فى السماء أن السماء قد تعود الناس منها الرحمة كالمطر والنور والوحى، فهم يجعلون رغبتهم ونظرهم حيث تأتى النعم. وعن قتادة وغيره كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقلب وجهه فى الدعاء إلى السماء أن يحوله إلى قبلة مكة، وقد للتحقيق، ويجوز أن تكون للتكثير، ومعناه تكثير الرؤية لتكثير التقلب، والمراد تكثير التقلب إلى السماء، ولكن عبر بتكثير الرؤية لأنها لازم التقلب، وقد حمل سيبويه على التكثير قول الهذلى
قد أتركُ القرنَ مُصْفَرا أناملهُ   
وحمل عليهِ جماعة قول الشاعر
قد أشهد الغارة الشعواء تحملنى جرداء معروقة اللحيين سرحوب   
ومعنى نرى نعلم ومعنى { لنوَلِّينك قِبلةً ترضاها } ، لنجعلنك تلى قبلة مرضية لك، وهى الكعبة، والقسم مفرع بالفاء السببية على { قد نرى تقلب وجهك فى السماء } ، مع المحذوف المقدر، أى قد نرى تقلب وجهك فى السماء لأجل طلب قبلة غير التى أنت عليها الآن، أو قد نرى تقلب وجهك فى السماء طالباً غير القبلة التى أنت عليها، أو قد نرى تقلب وجهك فى السماء وطلبك القبلة الأخرى، فوالله لنولينك قبلة ترضاها.

السابقالتالي
2 3 4 5