الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ وكَذلكَ جَعلْناكُم أمةً وَسَطاً } أى كما هديناكم إلى الصراط المستقيم جعلناكم يا أمة محمد أمة خيارا عدولا بالعلم والعمل، أو كما جعلنا قبلتكم أفضل القبل، جعلناكم أمة خياراً عدولا، أو كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب، جعلناكم أمة خيارا عدولا، وعلى الوجه خاصة يكون التعبير عن قولك خيارا عدولا بقوله { وسطا } لوقوع ذلك فى صحبة لفظ متوسطة بين المشرق والمغرب تقديرا، أو كما اصطفيناه فى الدنيا، يعنى إبراهيم، فى قوله { ولقد اصطفيناه فى الدنيا } ، جعلناكم أمة وسطا، والواو للاستئناف أو للعطف على محذوف، أى أنتم ممن هداه إلى الصراط المستقيم، وجعلناكم أمة وسطا كذلك، أو هديناكم وجعلناكم أمة وسطا كذلك، أو جعلنا قبلتكم الكعبة، أو أفضل قبلة، وجعلناكم أمة وسطا كذلك، أى كما جعلنا قبلتكم كذلك، أو جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب، وجعلناكم أمة وسطا كذلك، أى كما وسطناها، أو للعطف على اصفيناه المذكور، أى ولقد اصطفيناه فى الدنيا، وجعلناكم أمة وسطا كذلك، وأصل الوسط المكان استوت إليه الجوانب المفروضة قريبة أو بعيدة المتساوية، بحيث لا يكون بعضها أقرب إليه من بعض، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفى إفراط وتفريط، فالإفراط المبالغة جدا، والإسراف والتفريط التقصير جدا والإخلال، وذلك كالجود بين الإسراف والبخل، والشجاعة فى احتراز وتحفظ بين الشجاعة والجبن. ثم أطلق على المتصف بالخصال المحمودة، قال زهير
همو وسط يرضَى بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالى بمعظم   
فالمعنى جعلناكم أمة غير غالية فى الدين ولا مقصرة، لا كغلو النصارى فى عيسى واليهود فى عزير، إذ جعلوهما إلهين، ولا كتقصير اليهود فى الدين بالتحريف والتبديل. قال الزمخشرى قيل الخيار وسط، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأعوار والوسط محمية محوطة ومنه قول الطائى
كانت هى الوسط المحمىُّ فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا   
قال ويجوز أن يكون وسطا بمعنى عدول، لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض. انتهى. وسبب نزول الآية أن رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا، وإنما قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا أعدل الناس. فقال معاذ إنا على حق وعدل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروى أبو سعيد الخدرى عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال " ألا وإن هذه الأمة توفى سبعين أمة هى آخرها وخيرها وأكرمها على الله تعالى " والآية تدل على أن الإجماع حجة، لأنه لو كان فيما اتفقوا عليه باطل لاختلت به عدالتهم، قاله القاضى. وفى رواية عنه، صلى الله عليهِ وسلم، تفسير الوسط بالعدول، ووسط القلادة أنفس حجر فيها. { لِتكُونُوا شُهداءَ علَى النَّاس } على الأمم قبلكم، وعلى تبليغ الرسالة، لأن الله جل وعلا قد أخبرنا فى القرآن الكريم أن الرسل بلغت الرسالة إلى أممهم، وأن أممهم كذبتهم إلا من استثنى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7