الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ }

{ وَإِذَا لَقُوا } أصله لقيوا بكسر القاف وضم الياء نقلت ضمة الياء لثقلها عليها إلى القاف بعد سلب كسرته، فالتقى ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء، ثم التقى ساكنان الواو ولام أل فحذفت الواو فى التلاوة وثبتت فى الرسم واللقاء أواخر الاستقبال إلى الشىء وأوائل الاجتماع به، وإن شئت فقل المصادفة، يقال لقيه ولاقاه بمعنى، وقد قرأ أبو حنيفة { وإِذَا لاَقُوا } بمد الألف وفتح القاف وكسر الواو للساكن بعدها، ويقال ألقيته أى طرحته بحيث يوافيه الماشى ويصادفه، ويجتمع به فأصلهما واحد والمعنى وإذا صادفوا. { الَّذِينَ آمَنُوا } واجتمعوا بهم وهم المهاجرون والأنصار ومن يهابونه من المؤمنين. { قَالُوا } لهم { آمَنَّا } بما أمنتم به، بالله وباليوم الآخر والقرآن، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن قلت هل يتكرر قوله { وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } مع قولهومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا } قلت لا يتكرر معه، لأن قوله عز وعلاومن الناس من يقول آمنا } سبق لبيان طريقهم فى النفاق وتمهيد نفاقهم بأن صرح بأنهم يؤمنون بألسنتهم فقط. وأما قوله { وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا }.. إلخ فتصريح بأنهم يلاقون المؤمنين بوجه، ويلاقون الكافرين بوجه آخر، وزادوا على ذلك أنهم يخبرون والكفار بأن الوجه الذى نلقى به المؤمنين مخادعة غير حقيق، قال ابن عباس نزلت هذه الآية فى عبد الله بن أبى وأصحابه، خرجوا ذات يوم واستقبلهم نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبى أنظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبى بكر الصديق فقال مرحباً بالصديق سيد بنى تميم، وشيخ الإسلام، وثانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغار، الباذل نفسه وماله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد عمر فقال مرحباً بسيد بنى عدى بن كعب الفاروق القوى فى دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد على فقال مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وسيد بنى هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له على اتق الله يا عبد الله ولا تنافق، فإن المنافقين شر خليقة الله تعالى، فقال مهلا يا أبا الحسن لا تقل هذا والله، إن إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم. ثم تفرقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتمونى فعلت؟ فأثنوا عليه خيراً. رواه الواحدى والبغوى وغيرهما، يزيد بعض على بعض. وختن الرجل عند العرب من كان من جهة امرأته، وعند العامة زوج ابنته وكلاهما صحيح عندى. { وَإِذَا خَلُوا إِلى شَيَاطِنِهِمْ } إلى بمعنى مع أو عند، ولو قيل خلوا بشياطينهم لكان أيضاً بمعنى معهم أو عندهم، ويجوز إبقاء إلى على أصلها من الانتهاء، على أن خلا بمعنى مضى، أى مضوا من المؤمنين أو عن المؤمنين إلى شياطينهم، أو بمعنى جاوزوا المؤمنين إلى شياطينهم، يقال خلاك ذم أى جاوزك إلى غيرك، أو ضمن خلا بمعنى رجع، أى رجعوا إلى شياطينهم فإن الخلو من شىء رجوع إلى غيره، أو ضمن معنى الإنهاء والإبلاغ من خلا فلان إذا سخر منه وعبث به، أى إذا بلغوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها، يقال أحمدك الله، أى أبلغك أنى أحمده على حالك، وأذم إليك عمراً كذلك، فمفعول خلا محذوف كما رأيت تقديره، أو خلا باق على معنى الانفراد واللزوم، فيقدر حال ومفعولها، أى وإذا انفردوا مبلغين السخرية إلى شياطينهم، والمراد بشياطينهم الآدميون الذين يشبهون الجن المتمردين على دين الله فى القول والفعل علانية وتصريحاً، وتسميتهم شياطين استعارة تصريحية تحقيقية أصلية، والقرينة إضافة الشياطين إليهم والخلو إليهم المذكور بعد، وهم أولى لقوتهما فى جانب الحقيقة، وإذا جعلنا شياطينهم قرينة فما سواه تجريد وإنما أضيفوا إليهم للمشاركة فى الكفر، أو لأنهم قدوتهم ورؤساؤهم.

السابقالتالي
2 3 4