الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }

{ صِبْغَة اللهِ } مفعول مطلق كسبحان الله، قاله سيبويه، والأصل صبغنا الله صبغة، فحذف الفعل وأضيف اسم المصدر إلى فاعله، كما أن سبحان الله أصله سبحوا الله أو سبحنا الله أو نسبح الله، فحذف الفعل وأضيف اسم المصدر إلى مفعوله وهو لفظ الجلالة، والمصدر هنا مؤكد لآمنا، قدرنا صبغنا الله صبغة بمعنى الإخبار، أو قلنا إنه طلب ودعاء، وعلى الوجهين، فهو من مقول القول المتقدم فى قوله { قُولوا آمنَّا } وكسر الصاد للنص على أن المراد نوع من الصبغ، كالجلسة بكسر الجيم لنوع من الجلوس، ومعنى صبغة الله، تطهير الله، لأن الإيمان يطهر النفوس، فصبغة الله مؤكد لآمنا، من توكيد المفعول المطلق لمضمون الجملة قبله، وكذا إن قلنا صبغة الله بمعنى فطرة الله التى فطر الناس عليها، أو بمعنى هدايته والمراد على معنى الفطرة الدعاء بالإدامة على الفطرة، أو الإخبار بأنه تعالى صبغهم صبغة باقية، وهى الفطرة بقيت بعد البلوغ، ويجوز أن تكون صبغة بدلا من ملة، وقيل منصوب على الإغراء، أن الزموا معشر اليهود والنصارى صبغة الله، أو نلزم معشر المؤمنين صبغة الله، أو الزموا يا معشر المؤمنين صبغة الله، وقيل صبغة الله دين الله، وهو مروى عن ابن عباس، أى دِنّا دينَ الله، أو نلزم دين الله، أو الزموا معشر المؤمنين دين الله، أو الزموا يا معشر اليهود والنصارى دين الله، أو بدل من ملة. وقيل سنة الله وهى دينه، أو سنتنا سنة الله، أو نلزم أو الزموا أو بدل كذلك، وما أصدق فى هذه الأقوال واحد، وسمى ذلك كله صبغة، لأنه زينة للإنسان، كما أن الصبغة زينة للمصبوغ، وزينة لمن يتزين بها، أو لظهور أثر ذلك لمن هو فيه، كظهور أثر الصبغ على المصبوغ، ولدخوله القلب كدخول الصبغ الثوب، وكل ذى دين باطنه مصبوغ بصبغ اعتقاده ودينه حقا. وقال بعض المفسرين اليهود تصبغ أولادها يهوداً، والنصارى تصبغ أولادها نصارى، وأن صبغة الله الإسلام. ولفظ صبغة فى تلك الأوجه والأقوال كلها استعارة تصريحية تحقيقية أصلية، ووجه الشبه الشهور أو الدخول أو كلاهما، والقرينة الإضافة إلى الله، وفيه المشاكلة البديعة. قال القزوينى والسعد ومن الضرب المعنوى من المحسنات البديعة المشاكلة، وهى ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوع ذلك الشئ فى صحبة ذلك الغير وقوعاً إما محققاً كقوله
وقالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه فقلت اطبخوا لى جبة وقميصا   
ذكر خياطة الجبة والقميص بلفظ الطبخ لوقوعها فى صحبة طبخ الطعام فى قوله نجد لك طبخه، أى اطلب شيئاً من غير تفكر ولو صعبا نطبخه لك طبخا جيداً، ونجد بضم النون وكسر الجيم من أجاد شيئاً، أى صيره جيدا وإما مقدرا كقوله صبغة الله فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر يسمونه المعمودية، ويقولون إن الغمس فى ذلك الماء تطهير لهم، فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانياً حقاً.

السابقالتالي
2 3