الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

{ تِلْكَ أمةٌ قدْ خَلَتْ } قد مضت لسبيها وانقطعت عنكم يا معاشر اليهود والنصارى، فلا تذكورهم بشىء تكذبوا فى ذكرهم، وقد ذكروا قبحهم الله إبراهيم ويعقوب وإسحاق وبنيهم باليهودية والنصرانية، ذكر اليهود باليهودية والنصارى بالنصرانية، وهم كاذبون. { لَها ما كَسَبَت } أى لها جزاء ما كسبت من العمل. { ولكُم ما كَسَبتُم } جزاء ما كسبتم من الخير إن كسبتم منه شيئاً، والخطاب لليهود والنصارى، فلستم تنتفعون بأعمالنا، ولو انتسبتم إليها وإنما تنتفعون بموافقتهم فى الشريعة، فاخرت اليهود والنصارى فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبراهيم ومن ذكرناه معه، كما فاخروا أيضاً قبله، وقالوا إنهم أجدادنا وهم يشفعون فينا، فرد الله عز وجل عليهم بالآية، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم " با بنى هاشم لا يأتينى الناس بأعمالهم، ويأتونى بأنسابكم " ولا نافية فى معنى النهى، ويأتونى منصوب بأن مضمرة بعد الواو التى بمعنى مع الواقعةفى سياق النهى، ويجوز أن يكون ما كسبت وما كسبتم على العموم فى عمل الخير، وعمل الشر، لكن الشر إنما يتصور فى قوله { لها ما كسبت } من طريق الحكم على المجموع، فعمل السوء قد يصدر من المؤمنين الذين هم ذرية إبراهيم، ومن ذكرنا معه لا من إبراهيم أو نعد ما يسمى فى حق الأنبياء باسم الذنب شرا أو سوءا كأن يسمى معصية أو ذنبا، ويجوز أن تكون الإشارة بقوله تلك إلى بنى هؤلاء الأنبياء، فلا يشكل نسبة الذنب إليهم { ولا تُسألونَ عمَّا كانُوا يعْمَلُون } أخير أو شر لتجاوزوا به، كما لا يسألون عما كنتم يعملون أخير أو شر ليجازوا به، بل تجازون بأعمالكم ويجازون بأعمالهم، أو لا تسألون عما عملوا من سوء لتجازوا به، بل تجازون بما عملتم من سوء، كما لا تنتفعون بحسناتهم، وإذا عملنا فى قوله ما كَسَبَت وما كَسَبتم خير أو شر، أو عممنا كذلك فى قوله { ولا تسألون عما كانُوا يعْملُون } كان قوله لا تسألون.. إلخ تقريراً لقوله { لها ما كسبت ولكم ما كسبتم } ، وكذا إن عممنا فى هذا وخصصنا قوله { ولا تسْألون عمَّا كانُوا يعْملُون } بأعمال السوء، وإن خصصناه بخير، وخصصنا قوله { ولا تُسألُونَ عمَّا كانُوا يعْمَلُون } ، بسوء كان قوله { ولا تسألُونَ عمَّا كانُوا يعملون } ، تأسيساً مفيداً لحكم لم يفده ما قبله.