الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ وإذْ يَرفَعُ إبراهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ } مقتضى الظاهر أن يقال وإذ رفع لكن أتى بالمضارع حكاية للحال الماضية إحضاراً لصورتها العجيبة المستحسنة، حتى كأنه يرفع إبراهيم القواعد حال نزول الآية رفعاً مشاهداً. أو المعنى واذكر إذا كان يرفع، والقواعد جمع قاعدة، اسم فاعل من القعود بمعنى الثبوت، أى قطعة قاعدة أو بقعة قاعدة أو أرض قاعدة، والمراد الأساس والأصل، ثم تغلبت عليه الاسمية فصار لا يحتمل الضمير ولا يقدر لهُ موصوف، ويجوز أن يكون مجازاً من المقابل للقيام، شبه أصول البيت بمن قعد بجامع عدم الارتفاع، ويقال قعدك الله بكسر القال وفتحها، وإسكان العين وفتح الدال، ورفع اسم الجلالة، وقعيدك الله وذلك دعاء أو يمين، ومعناه الدعاء أو القسم بأن يثبتك الله، ونصب قعد أو قعيداً على المصدرية، ورفع اسم الجلالة على الفاعلية. ومعنى رفع الأساس رفع البناء عليه إن كان لهُ أساس قديم، وبنى عليه، وإلا فرفعه هو بناؤه على الأرض على وجهها، أو من داخلها، لأنه إذا بناه من داخل فقد رفعه من داخل، فلما وقع الرفع عليه بالنباءِ سمى مرفوعاً. أو شبه الهيئة الحاصلة بالبناء بإقامة ما قعد وتمديد ما تداخل، كما يمد الشئ القصير فيطول، وينشر المطوى فيطول، ويجوز أن يكون المعنى وإذ يجعل إبراهيم صفوفاً من حجارة وطين فوق صفوف، حتى كان بناء مرتفعاً، فكل صف قاعدة وأساس للصف الذى فوقه، وجميع الصفوف فوقه، وقد فسر الكسائى والفراء القواعد بالجدر، وأبو عبيدة بالأساس، وقيل المراد برفع القواعد من البيت إظهار شرف البيت، ودعاء الناس إلى حجه، وفى إبهام القواعد، إذ قال القواعد ولم يقل قواعد البيت وتبيينها بعد ذلك بقوله { مِنَ البَيْت } تفخيم لشأنها، قيل إن أول من بناه إبراهيم. وقيل إنه بناه الملائكة قبل خلق آدم، وقيل بناه آدم ورفع البناء وأنفد الأساس، فأظهره الله تعالى لإبراهيم بالريح، أمرها الله فكشفت عنه التراب فبنى عليه. { وإسمَاعِيلَ } عطف على إبراهيم، وإنما بنى البيت إبراهيم، وأما إسماعيل فإنما كان ينقل الحجارة إليه ويناوله، لكن لما كان له مدخل فى البناء عطف على إبراهيم، إذ البناء كان بنقله الحجارة ومناولته إياها لإبراهيم، وقيل كان يبنى فى طرف وإبراهيم فى طرف، أو تارة يبنى إبراهيم وتارة يبنى إسماعيل. قال ابن عباس بنى البيت من خمسة أجبل طور سيناء وطور زيتا، ولبنان بالشام، والجودى بالجزيرة، وقواعده من حراء بمكة. ولما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل ائتنى بحجر حسن يكون للناس علماً، فأتاه بحجر. فقال ائتنى بأحسن منه، فصاح أبو قبيس يا إبراهيم إن لك عندى وديعة فخدها، فقذف بالحجر الأسود.

السابقالتالي
2 3 4 5 6