الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

{ وإذْ جَعلْنا البَيْتَ } الكعبة، غلب لفظ البيت عليها كما غلب النجم على الثريا، والكتاب على القرآن فى مواضعه، والكتاب أيضاً على كتاب سيبويه فى مواضعه. { مَثابةً للنَّاسِ } أى مرجعا لهم يأتونه من كل جانب للحج، رفيعهم ووضيعهم، من ثاب يثوب بمعنى رجع بمثلثة، كتاب يتوب بمثناة، أو موضع ثواب لأن لهم ثواباً على قصد الحج أو عمرة وطواف، وعلى كلا الوجهين هو اسم مكان، وتأنيث أسماء المكان والزمان والمصدر الميميات يحفظ ولا يقاس عليه، وإن قلت كيف يصح الوجه الأول وهو التفسير بالمرجع، فإنه لا يصدق بمن لم يأته قط، ثم أتاه؟ قلت استعمالا للمقيد فى المطلق، فإن أصل الرجوع الإتيان إلى الشئ بعد الانصراف عنه، استعمل فى مطلق الإتيان. ولك وجه آخر هو أن المراد الإشعار بأن البيت رغبة للناس يأتونه ويرجعون إلى أهليهم، ثم يأتونه، ويجوز أن يكون المعنى مجمعا لهم، من ثاب يثوب ثبة بمعنى اجتمع، وهو أيضاً اسم مكان شاذ بالتاء، ثم رأيت الوجه الأول قولا للكلبى، ووجه آخر ضعيف هو أن يكون بمعنى موضع التائبين عن الذنوب، أو موضع التائبين أى الراجعين يرجعون إليه، وهو كذلك اسم مكان شاذ بالتاء، ويجوز أن يكون على تلك المعانى كلها مصدرا ميميا بمعنى مفعول، أى مرجوعاً إليه مثوباً على قصده بالجنة، أو مجموعا فيه، أو مرجوعا فيه عن الذنوب، أو يقدر مضاف أى ذا رجوع أو ثواب أو اجتماع، ويدل للمصدرية قوله تعالى { وأمْناً } فإنه مصدر على تقدير مضاف، أى موضع أمن، فهو بمعنى اسم مكان أو ذا أمن، ويحتمل جعل من باب المبالغة كأنه نفس لفرط الأمن الملتجئ إليه، ومن هو فى حرمه كما سماه أيضاً آمنا فى قوله جل وعلاحرما آمناً ويُتَخطف الناس من حولهم } كان المشركون لا يتعرضون لأهل مكة، ويقولون هم أهل الله. قال ابن عباس أمناً معاذا وملجأ، ومن رواية الربيع بن حبيب بن عمر، وعن أبى عبيدة عنه صلى الله عليه وسلم فى شأن مكة " أنها حرام لحرم الله، لم تحل لأحد قبلى لا تحل لأحد بعدى، وإنما أحلت لى ساعة من نهار " فغمزها النبى صلى الله عليه وسلم بيده، فقال " لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا تحل لقطتها إلا لمنشدها ولا يختلى خلاها " فقال له العباس عمه، وكان شيخا مجرباً، إلا الأذخر يا رسول الله فإنه لا بد منه للقبور، ولظهور البيوت، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم قليلا، فقال " إلا الأذخر فإنه حلال " وكذا روى البخارى ومسلم عن ابن عباس " أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيدة ولا يلتقط لقطتها إلا من يعرفها ولا يختلى خلاه ". قال العباس يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم وبيوتهم قال " إلا الأذخر "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8