الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ ولله المشرق والمغرب فأينما تُوَلّوا فَثمّ وجْهُ الله } أى جهات الأرض كلها لله شرقيها وغربيها، فأى موضع وجهتم إليه وجوهكم بأمر الله فى الصلاة، ففيه الله بالعلم والقدرة والحفظ، لا بالاحتواء والحلول، وهو فى كل مكان كذلك. وخص المشرق وهو مواضع شروق الشمس، أى إضاءتها وظهورها، والمغرب وهو مواضع غروبها بالذكر، لأن المشرق جهة الكعبة المتحول إليها، والمغرب جهة بيت المقدس المتحول عنها بالنسبة إلى المدينة، مع أن قسم الشئ إلى جهتين متقابلتين استغراق لجهاته، بأن يأخذ كل منهما ما يليه من جانبيها، والفاء سببية، وأين ظرف مكان مبنى لتضمنه معنى حرف الشرط، متعلق بشرطها عند بعض، وهو تولوا أو بجوانبها عند بعض وهو قوله { فثم وجه الله } وإنما صح التعليق به بالنظر إلى المعنى المراد منه وهو قولك الله عالم بتوليتكم، أو متعلق باستقرار ثم، فإنه ظرف مبنى لتضمنه معنى الإنشاء، وهو هنا الإشارة، فإن الأصل أن تودى بالحرف كالنهى، والاستفهام متعلق بمحذوف خبر، ووجه مبتدأ لكن على أن نجعل أينما مراداً به أوسع من ثم مثل أن يوقع ثم على الكعبة، وأين على جهات المشرق، أو نجعل ذلك على العكس، وما صلة لتأكيد العموم، ومفعول تولوا محذوف، أى تولوا وجوهكم، وقد يقال هذا من المواضع التى لم يتعلق أغراض العرب فيه بالمفعول، فلا يقدر له مفعول، فيكون جارياً مجرى اللازم، أى أينما فعلتم التولية، كقولك زيد يعطى، تريد الإخبار بأنه ليس شحيحاً، لا الإخبار بأنه يعطى فلاناً، ولا بأنه يعطى ديناراً أو كذا. وقرأ الحسن تولوا بفتح التاء واللام وإسكان الواو بعدها إسكاناً حياً على أن الأصل تتولوا بتائين، أى توجهتم بوجوهكم و وجه الله ذاته ونفسه تعالى وذاته ونفسه هو، وعبر عن العلم بالتولية بقوله فثم وجه الله، لأنه يلزم فى الجملة من وجود أحد فى موضع أن يكون عالماً بما فيه، ويجوز أن يكون وجه الله سبحانه بمعنى رضى الله أو مرضيه، فإن وجه الشئ خالصه وما يرضى، فكأنه قيل فثم مرضى الله ومختاره وهو الجهة المأمور بها، المرضية المختارة، وهى القبلة التى هى الكعبة، أو يقدر مضاف أى رضى وجه الله، أو مرضى وجه الله، أى ذات الله جل وعلا، ويجوز أن يكون الوجه بمعنى الجهة، أى جهة الله، أى الجهة التى يرضاها الله قبلة، وقد علمت من قولى بأمر الله أنه ليس لهم التوجه فى الصلاة حيث شاءوا، وقيل إنه لا قبلة واجبة قبل الكعبة على المؤمنين، بل لهم أن يصلوا إلى أى جهة أرادوا، وأن هذا معنى الآية، ثم وجبت القبلة، وقيل كان، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون يصلون النفل فى السفر حيث ما توجهت رواحلهم، وطعن اليهود فى ذلك فنزلت الآية.

السابقالتالي
2 3