الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ وأقيموا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ } استئناف أو عطف على اعفوا، أمرهم الله تعالى بالصبر، ومخالفة الكفار، والمعاشرة بالخلق الحسن، والالتجاء إلى الله به للعبادة التى هي خالية عن الإحسان إلى الخلق، وأشار إليها بإقامة الصلاة إلا أنها تدعو إلى الإحسان إليهم، وبالعبادة التى هى إحسان إليهم، وأشار إليها بإيتاء الزكاة، وخصهما بالذكر لأن الصلاة عماد الدين، والمال شقيق الروح تشح عليه الأنفس. وذكر ابن جرير الطبرى أنه إنما آمر الله عز وجل المؤمنين بالصلاة والزكاة هنا ليحط ما تقدم من قولهم راعنا، لأن ذلك نهى عن نوعه. { وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُم من خَيرٍ } من عبادة فإنها خير ونفع بدنية، كالصلاة والصوم، أو مالية كالزكاة وصدقة التطوع، أو مالية وبدنية كالحج والجهاد من ماله، أو قلبيه كالتفكر فى المصنوعات والعلم وحب المؤمنين وبغض الكافرين. وقيل المراد بالخير المال يتصدق به صدقة التطوع، لأن الزكاة تقدم ذكرها، وقرئ تقدموا بإسكان القاف وتخفيف الدال من قولك أقدمه بمعنى قدمه بالتشديد. فإن قدم بالتخفيف يتعدى بالهمزة كما يتعدى بالتشديد. { تَجِدُوه } أى تصيبوه وتوافوه على حذف مضاف، أى تجدوا ثوابه. { عِنْدَ الله } أى يجد ثواب التمرة واللقمة كجبل أحد وأكثر، وروى ابن المبارك فى رقائقه، وهو رجل مخالف يذكر بعلم وشجاعة وحكمة بسنده " أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله ما لى لا أحب الموت؟ قال هل لك مال؟ قال نعم يا رسول الله، قال فقدم مالك بين يديك، فإن المرء مع ماله إن قدمه أحب أن يلحقه وإن خلفه أحب التخلف ". وذلك ما يروى " قدم مالك أمامك يسرك اللحاق به ". وروى الربيع بن حبيب، رحمه الله، عن أبى هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال وهو يعظه " اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " { إنَّ اللهَ بما تَعْمَلونَ بَصِير } عليم بكل ما اعتقده أحد أو قاله أو فعله من خير أو شر، فيثيب على الخير، ويعاقب على الشر، والاعتقاد والقول عمل، كما أن أفعال سائر الجوارح عمل، ولا يضيع عنده عمل، ولا يخفى قليلا أو كثيراً، وذلك ترغيب فى الطاعات، وزجر عن المعاصى، ويحتمل أن يكون المراد ما تعملون من الخير فيكون ترغيباً، وقرئ يعملون بالتحتية وعود الضمير لأهل الكتاب، فيكون ذلك وعيداً لهم وتهديداً.