الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِم، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الحقُّ.. } الآية. وعن ابن عباس المراد أبناء أخطب حيى وأبو ياسر وأتباعهما، فقيل إن عماراً وحذيفة أتيا مدارس اليهود، فأراد اليهود صرفهما عن دينهما، فثبتا، فنزلت الآية. ووجه الجمع بين ذلك أن المتكفل يقول ذلك فنحاص وزيد وحيى وأبو ياسر وغيرهم من اليهود فى التبع لهم، وأن ذلك بعد أحد واقع فى مدارس من مدارسهم، أتاهم عمار وحذيفة، وقيل نزلت الآية تبعاً فى المعنى من نهى الله ـ عز وجل ـ عن متابعة أقوال اليهود فى راعنا وغيره، وأنهم لا يودون أن ينزل على المؤمنين خير. ويجمع أيضاً أن نزولها تبعاً لذلك لا ينافى كونها نزلت فيما قيل لعمار وحذيفة، وما قالا فإنهما فيهما وهى تابعة لما مر من النهى عن متابعة اليهود. والله أعلم. ومعنى ود أحب وتمنى، والكثير من أهل الكتاب فنحاص وزيد ابن قيس وحيى وأبو ياسر وغيرهم من أحبارهم ورؤسائهم، وغيرهم. ولو مصدرية كما مر لا حرف تمنى، وإنما أفاد التمنى لفظ ود، ومعنى لو المصدرية الاستقبال، كأن الناصبة للمضارع، أى ود كثير من أهل الكتاب ردكم. وكفاراً حال لازمة من كاف يردونهم مقارنة، أى يردونكم من بعد إيمانكم إلى دينهم، وأنتم كافرون حال حصول الارتداد، وإن فسرنا الرد بشروعهم فى الوسوسة والتمويه الذى تمنوه قبل تأثيره كانت الحال مقدرة، والأولى أن يكون يردونكم بمعنى يكفرونكم بتشديد الفاء، أى يدخلونكم فى الكفر، فتكون الحال مؤكدة، وذلك تضمين أو يكون يردونكم بمعنى يصيرونكم، فيكون كفاراً مفعولا ثانيا، والآية صريحة فى اعتراف كثير من أهل الكتاب بأنهم على كفر إذ اعترفوا بأن من يرتد إلى دينهم يكون كافراً، ويقوى هذا قوله تعالى { حسداً من عند أنفسهم } لأن من حسد الإنسان لا يود له الخير، بل الشركا لكفر، ولأن معنى { من عند أنفسهم } من عند أنفسهم الأمارة بالسوء، أو من عند ذواتهم لخبثها باتباع الأمارة بالسوء، يعنى لا من جهة التدين والميل مع الحق، لأن الله لم يأمرهم بذلك، ومن بعد متعلق بيردونكم، ومن عند متعلق برد، ومن للابتداء، فإن الود صادر من عند أنفسهم. قيل أو للسببية، فإن المعنى بالإغواء والتزيين، أو تتعلق بمحذوف نعت مصدر محذوف، أى ود ثابتا من عند أنفسهم، ويجوز أن يتعلق بحسد أو بمحذوف نعت لحسدا، أى صادراً من أنفسهم الأمارة بالسوء، أو منبعثاً منها، وحسداً مفعول لأجله ناصبه ود، أى وقعوا فى ود ذلك لأجل الحسد، وإذا لم تتعلق من عند بحسداً تعلق به من بعد ما تبين، ومن للابتداء، وإذا علقت من عند بحسدا تعلق من بعد ما تبين بود لا بحسد إلا على طريق تقييد حسدا بالعندية، ثم تقييد حسداً والعندية معاً بالبعدية، وما مصدرية، والحق هو كون محمد رسولا من الله، والقرآن كتاب من الله، خوطب المكلفون كافة به لا العرب فقط، والخطاب فى يردونكم للمؤمنين، وإنما تبين لهم الحق بالتوراة، والمعجزات ذكر الله تعالى فى التوراة اسمه ونعوته، ولكن جحوده حسدا.

السابقالتالي
2 3