الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } نزل حكمها ولفظها أو حكمها فقط أو لفظها فقط، فإن من معانى النسخ الإزالة، والآية من هذا المعنى كنسخ الليل والنهار والنهار والليل، والظل والشمس والشمس الظل، والشيب الشباب، فبعض القرآن منسوخ وأكثره غير منسوخ، ويطلق مع بقاء الناسخ فى موضع المنسوخ وبدون بقائه كنسخ الأثر بالريح، ومواضع فى القرآن مثل نسخ الناسخ، ويطلق النسخ أيضاً على تحويل الشئ من موضع لآخر، تقول نسخت تراب الدار، أى نقلته إلى المزبلة، وفى هذا المعنى إزالة لكن من موضع لآخر بلا إفناء، بخلاف الإزالة فى المعنى الأول فإنها بمعنى الإفناء، وليس شئ من القرآن بهذا المعنى منسوخا، ويطلق النسخ أيضا على النقل مع الإبقاء لأصل المنقول منه، فالقرآن على هذا كله منسوخ، لأنه كله منسوخ من اللوح المحفوظ، ولا يطلق عليه هذا النسخ إلا ببيان أنهُ من اللوح المحفوظ، وهو فى المصاحف مشابه به لا فى اللوح المحفوظ لفظا وخطا. وقد ذكر منه فى القرآنإِنّا كُنّا نَستَنسِخُ ما كُنتُم تَعمَلُونَ } وقال مكى إنه لا يصح هذا الوجه فى القرآن، لأن الناسخ لا يأتى بلفظ المنسوخ، بل بلفظ آخر ويرده قوله تعالىوإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم } ، وقولهفى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون } ، وأصل النسخ فى اللغة هو المعنى الأول، وحقيقة النسخ الشرعى بيان انتهاء التعبد بقراءة الآية، وبالحكم المستفاد منهما أو بهما جميعا، وقال ابن الحاجب رفع حكم شرعى بدليل شرعى متأخر عنه، ويخالف التخصيص بأن التخصيص يقع بشئ ثالث بين شيئين، والنسخ يقع بشئ على شئ أو بلا شئ، وبأن التخصيص يقع فى غير النص وفيه، والنسخ فى النص وبأن التخصيص يفيد أن العموم فى المخصص بفتح الصاد انتفاء إرادته من أول مرة، والمنسوخ مراد ظاهره ومعناه إلى وقت علمه الله علما أزليا ينتهى فيه. واختلفوا هل النسخ رفع لتعلق الحكم بالمكلف أو بيان الانتهاء أمده؟ والمختار الأول لشموله قبل التمكن من الفعل، ولا يشمله التعريف الثانى وذلك كنسخ ما زاد على خمس صلوات من الخمسين ليلة الإسراء، فإنه قبل التمكن وقيل دخول الوقت، وقد يبحث بأن التعريف الثانى شامل له أيضا لأنه لابد من وجود أصل التكليف، وإنما يتحقق بالتعلق وبيان انتهاء التعلق يصدق بانتهائه بعد التمكن من الفعل وقبله، وإذا قلنا المراد بالانتهاء انتهاء أمد المكلف به لم يرد هذا البحث، وذكر الغزالى فى المصطفى والباقلانى قبله أن الفعل إذا أمر به فى وقت واحد يجوز نسخه قبل التمكن من الامتثال وقبل وقته فلا يكون بيانا لانقطاع مدة العبادة، فليس النسخ عبارة عن انتهاء مدة العبادة، لأن بيان انتهائها إنما يكون بعد حصول المدة، فقبل حصولها يستحيل بيان انتهائها، والمراد برفع الحكم رفع الحكم الشرعى بخطاب، فخرج بالشرعى رفع الإباحة الأصلية وهى براءة الذمة المأخوذة من العقل، لكن هذا على قول المعتزلة بأن ما يحسنه العقل فهو حسن، وما يقبحه فقبيح، وخرج الرفع بما يغذر به كالموت والجنون والنسيان والغفلة والغلط، وقيل بتكليف الغافل، وصححوا هذا القول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد