الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

{ مَّا يَوَدُّ } ما يحب ويتمنى، فإن الرد محبة الشئ مع تمنيه، وقد يستعمل فى الحب وحده وفى التمنى وحده. { الذِينَ كَفَرُوا } بمحمد، صلى الله عليه وسلم، والقرآن. { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } اليهود والنصارى، ومن للبيان، وهم أهل الكتاب فإن الذين كفروا عام، فبينه بأهل الكتاب والمشركين، كما عطفهم على أهل الكتاب فى قوله { وَلاَ المُشْرِكِينَ } أى ولا من المشركين، والمراد بهم جميع المشركين من العرب والعجم. { أنْ يُنَزَّل } فى تأويل مصدر مفعول يود. { عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ } من صلة للتأكيد وخبر نائب ينزل وهو عام لكل خبر من الوحى. قرآناً وغيره، والعلم والنصر، ومن صحة الجسم ونفاذ القول والجاه والعافية والمال والماء والنبات وغير ذلك من نعم الله جل وعلا التى لا تحصى، فيحمل الإنزال على ما يعم ذلك مثل الإنعام. وقيل الخبر القرآن، قيل العلم والنصر والتحقيق ما ذكرته لك من العموم. { مِّنْ رَبِّكُمْ } من للابتداء، زعم جمع من اليهود أنهم يحبون المؤمنين وأنهم يحبون لهم الخير والمودة، وأظهروا ذلك، فنزل تكذيباً لهم قوله تعالى { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم }. { وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } هى النبوة والرسالة، وفسرها الحسن بالنبوة. { مَن يشَاءُ } أن يرسله أو يستنبئه ويعلمه الحكمة، وينصره فضلا منه وعدلا وليس شئ منهُ جورا وليس شئ واجبا عليهِ. وقيل إن اليهود حسدوه، صلى الله عليه وسلم، على الوحى وحسدوا المؤمنين، وكرهوا نزوله فنزل قوله تعالى { ما يود الذين كفروا... } الآية أو يبحث فيه بأنها لو نزلت فى شأن كراهتهم لكان الرد عليهم وفضحهم بمثل قولك إنهم حسدوهم، وكرهوا ذلك لأن نفى الود لا يستلزم الإنكار على ردهم وفضحكم لأنه يمكن أن يكون الإنسان غير كاره لشئ ولا واد له، بل غافل عنه مع علمه به أو مسيغ له بلا كراهة ولا وداد، فتبين أن سبب النزول ادعاؤهم أنهم يودون المؤمنين والموحى كما رويته فيما مر، وكما قيل إن المسلمين قالوا لخلفائهم من اليهود آمنوا بمحمد، صلى الله عليه وسلم، قالوا ما هذا الذى تدعون إليه بخير مما نحن فيه، والله لنودن أن يكون خيرا مما نحن فيه، أو أنا نود ذلك، فأنزل الله جل وعلا { ما يود الذين كفروا.. } الآية اللهم إلا أن يقال عَبِّر بذلك ليبين أن من شاء الإيمان وأهله أن يوده أهل الكتاب وغيرهم. { وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } يتفضل بالنبوة والرسالة وغيرهما على من يشاء، ومن ضيق عليه فى معيشته أو صحة بدنه أو غيرهما فلحكمة علمها لا لضيق فضله، وعبر بالفضل إشعاراً بأن النبوة والرسالة من الفضل، وبأن كل نعمة فهى فضل منه لا وجوب واستحقاق.