الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا } لحكاية الحال الماضية، فالمضارع للحال تنزيلا لا تحقيقاً، والأصل أن يقال ما تلت. { الشَّيَاطِينُ } عطف على جملة نبذ فريق، أى نبذوا كتاب الله واتبعوا كتاب السحر التى تقرؤها شياطين الإنس والجن، ويجوز أن يكون تتلوا بمعنى تتبع، أى اتبعوا ما تتبع الشياطين من السحر شياطين الإنس والجن، وبه قال ابن عباس. وقيل تتلوا تفترى وتكذب، وقيل فصلوا، ويترجح كون الشياطين شياطين الجن. قالوا من كتب { واتبعوا } إلى قوله { يعلمون } فى طست من نحاس أحمر طاهر الجسم والثياب وبخرها بلبان، ومحاها بالماء وشربها فى بيت، بطل ما به وزال عنه، وإن كتبت سحرا فى أربع أوراق زيتون ودفنت فى أربعة أركان البيت الذى فيه البق مات، ومن كتبها فى إناء وغسلها بماء كرفس وشربها على الريق نفعت من نزف الدم ووجع الأرياح. { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أى على عهده وذلك أن الشياطين دفنوا كتب السحر تحت كرسيه ومصلاه وبيت خزانته حين نزع ملكه، وتأتى قصة نزعه ورده فى محلها، وقيل قبل نزعه ولم يشعر بذلك وقرءوه واتبعوه ورسموه على لسان آصف كذبا عنه، هذا ما علم آصف بن برخيا من خزانة بيت المقدس سليمان الملك، ولم يشعر سليمان بذلك، وقيل كانت الشياطين تسترق السمع، بل تدخل السماء وتضم إليه الأكاذيب كلمة بمائة كذبة، وقيل سبعين وتلقيه إلى الكهنة فيكتبونه، وفشا ذلك وشاع بيان أنّ الجن تَعْلم الغيب، واشتغلوا بالسحر وكتبوه، روى الحاكم عن ابن عباس كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدونونها، فجمع سليمان الكتب ودفنها تحت سريره، وقال لا أسمع أحداً يقول إن الجن يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه، فلما مات دلت الشياطين عليها الناس فاستخرجوها. وروى أن إبليس دلهم عليها تحت كرسيه، وهو بصورة رجل من الإنس وقعد بعيدا، وقالوا له ادْنُ، فقال إنى صادق ولا أدنو ولكن احفرا فإن لم تجدوا فاقتلونى، وسبب تباعده أنه لا يدنو من كرسيه شيطان إلا احترق وهذا ينافى ما ذكر من أنه الشياطين دفنوها تحت كرسيه فوجدوا فيها السحر والشرك، فقالوا إنما ملككم سخرت له الجن والإنس والريح والدواب والطير بهذا فتعلموه ورفضوا كتب أنبيائهم، وأنكر عليهم صلحاؤهم وقالوا معاذ الله أن يكون هذا العلم من علم سليمان، وفشت الملامة لسليمان فكان بعضهم يبرئ منه سليمان، وبعض ينسبه لسليمان، ويقول إنه ساحر ويلومه قبل رجوع ملكه وبعده فى نفسه، ومع صاحبه وشاع، وبعض كان يقبله ويعلم أنه سحر ولا يسبه به حتى قالت السحرة من اليهود أخذنا السحر عن سليمان، وأنه كان خيراً منا يتعلم ما تعلمنا، ويفعل ما نفعل، ولذلك كان أكثر ما يوجد السحر فى اليهود، قال بعض اليهود فى زمان رسول الله، صلى الله عليه وسلم انظروا إلى محمد يذكر سليمان فى الأنبياء وما هو إلا ساحر، فنزل قوله تعالى رد عليهم { وَمَا كَفَرَ } ما عمل كبيرة شرك ولا كبيرة دونه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد